من الصعوبات الاقتصادية وتقييد الحريات وصولا إلى الاعتقالات، يتحسّر بعض سكان صنعاء المحبطين على حياتهم السابقة وتغيّر وجه عاصمة اليمن الغارق في الحرب، بعد عشرة أعوام من سيطرة المتمردين الحوثيين عليها.
يقول يحيى البالغ 39 عاماً لوكالة فرانس برس، مفضلا على غرار غالبية المتحدثين عدم الكشف عن هويته الكاملة خوفاً من الانتقام، إن حركة “أنصار الله” الحوثيين المدعومة من إيران “أعادت البلاد خمسين سنة إلى الخلف” منذ سيطرتها على مقاليد السلطة في 2014.
أما أبو جواد ابن الخامسة والأربعين عاماً، فيقول: “في السابق، كنا نفكر كيف نشتري سيارة أو بيتا، أما الآن فنفكر كيف نحصل على لقمة الطعام”.
انطلاقا من الجبال الشمالية، شن الحوثيون من معقلهم في صعدة هجوما كاسحا باتجاه صنعاء، مندّدين بتعرّضهم للتهميش، وسيطروا على مناطق واسعة في شمال اليمن، أفقر بلاد شبه الجزيرة العربية.
تحالفوا حينها مع وحدات موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، ودخلوا العاصمة في 21 أيلول (سبتمبر) 2014 وسيطروا على مقرّ الحكومة، وأجبروا السلطات على التراجع إلى عدن على الساحل في الجنوب.
ومذاك الحين، تمددت الحركة السياسية-العسكرية المنتمية إلى الأقلية الزيدية الشيعية، لتفرض سيطرتها على نحو ثلثي السكان.
ولا يزال اليمن غارقا في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، ومقسما بين مناطق تقودها قوات مناهضة للحوثيين تقوضها انقسامات داخلية، وتلك التي يسيطر عليها المتمردون.
“منغلق للغاية”
تقول الباحثة ميساء شجاع الدين من مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، إنه إذا لم يكن اليمن ما قبل الحرب ديموقراطيا حقا وكان المجتمع محافظا دائما، فإن عاصمته كانت تضم ذات يوم “أحزابا سياسية، ومجتمعا مدنيا نشطا، ومنظمات غير حكومية… وكان يمكن للنساء والرجال الجلوس معا في مقاهيها”.
أما اليوم، بحسب شجاع الدين، فإن “المناخ السياسي والاجتماعي منغلق للغاية”، وفُرض الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة، وتهيمن على المشهد شعارات الحوثيين التي تنادي بـ”الموت لأمريكا وإسرائيل” و”تنتشر صور قادتهم أو شهدائهم”.
تؤكد منظمة العفو الدولية أنها سجلت منذ العام 2015 “العشرات من حالات اعتقال الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين وأفراد الأقليات الدينية” وإدانتهم بتهمة الانتماء إلى “شبكة تجسس أميركية إسرائيلية” كما أعلن الحوثيون.
في حزيران (يونيو) الماضي، استهدفت موجة جديدة من الاعتقالات موظفين في منظمات يمنية ودولية و13 موظفا أمميا، ما زالوا معتقلين، ما أثار الذعر في صفوف المجتمع المدني.
يقول ماجد، مدير إحدى المنظمات غير الحكومية المحلية، إنه فر أولا إلى عدن قبل أن يلجأ إلى أصدقائه في الأردن، تاركا وراءه زوجته وأطفاله الثلاثة.
يقول الرجل البالغ 45 عاما من عمّان، حيث يأمل الآن في العثور على وظيفة “اتخذت القرار دون التفكير كثيرا، كانت المغادرة خيارا محفوفا بالمخاطر، لكنه كان الخيار الوحيد”.
وبحسب شجاع الدين المقيمة في الخارج، كان من الممكن بداية البقاء على الحياد، لكن “اليوم لم يعد ذلك خيارا. يجب أن نظهر أننا متمسكون بعقيدة الحوثيين”.
تنشر الحركة دعايتها من خلال وسائل إعلام تابعة لها، وكذلك من خلال كتيّبات تعليمية لم تتردد في تعديلها.
فعدّل الحوثيون التقويم ليستعيضوا عن “ثورة 26 أيلول (سبتمبر)” تاريخ إطاحة الإمامة (النظام السياسي الذي يقوده إمام) على يد الجمهوريين عام 1962، بـ”ثورة 21 أيلول (سبتمبر)” تاريخ وصولهم إلى السلطة.
وهو تغيير جعل بعض اليمنيين يسخطون. لكن أبو أحمد (53 عاما) من سكان صنعاء يقول “حتى لو منعونا من الاحتفال رسميا، سنحتفل به في قلوبنا”.
وإذا ما أصيب بعضهم بخيبة أمل على مر السنين من إدارة الحوثيين، فإن غالبية السكان يوافقون رغم ذلك على هجماتهم المتواصلة منذ تشرين الثاني (نوفمبر) على سفن مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئها في البحر الأحمر. وهي هجمات يعلنون أنها تنفذ إسنادا للفلسطينيين في قطاع غزة الذي يشهد حربا منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر).
تستذكر هيلين لاكنر المتخصصة في الشؤون اليمنية، أن “اليمنيين كانوا دائما مؤيدين للفلسطينيين”، مسلطة الضوء على تعبئة مئات الآلاف من اليمنيين كل أسبوع للمشاركة في التظاهرات التي ينظمها الحوثيون.