“حزب الله” وإسرائيل عالقان في دوامة تصعيد، تزداد معها أكثر فأكثر صعوبة التراجع خطوة إلى الوراء والعودة إلى ما قبل القرار الإسرائيلي نقل التركيز إلى الشمال وجعله “الجبهة الأساسية” في الحرب حتى تحقيق الهدف المعلن، وهو توفير “عودة آمنة” للنازحين من مستوطنات المنطقة الحدودية مع لبنان.
بعد أسبوع من الضربات المؤلمة التي وجهتها إسرائيل لـ”حزب الله” بتفجير أجهزة “البيجر” واللاسلكي بالمئات من عناصره واغتيال مؤسس “قوة الرضوان” إبراهيم عقيل والقائد العسكري أحمد وهبي وكوادر آخرين، أعلن الحزب أنه في “رد أولي” على تفجير أجهزة اللاسلكي، قصف فجر الأحد مجمعاً إسرائيلياً للصناعات العسكرية في شمال مدينة حيفا وقاعدة رامات ديفيد ومطارها.
هذه التطورات تؤشر إلى أن الوضع على جانبي الحدود بلغ منعطفاً هو الأخطر منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر). وهذا ما يختلف عن توترات سابقة وضعت المنطقة على حافة الحرب. وكانت الاتصالات الأميركية مع قوى إقليمية وبينها اتصالات غير مباشرة مع إيران، تهدف للحؤول دون انفلات الأمور إلى نزاع شامل.
عند هذا المستوى يتوقع مسؤولون أميركيون استمرار الضربات الإسرائيلية وردوداً من “حزب الله” عليها، ما دفع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى التحذير من أن خطر نشوب حرب واسعة “بات أمراً حقيقياً”، وإن كان الناطق باسمه جون كيربي ترك نافذة ضيقة للدبلوماسية.
ولطالما كرر المسؤولون الأميركيون أن إسرائيل و”حزب الله”، كلاهما، يريدان تجنب حرب واسعة. لكن الحكومة الإسرائيلية قررت تغيير قواعد اللعبة، منذ أن اتخذت قراراً قبل أكثر من أسبوع، يجعل الجبهة مع لبنان جزءاً من أهداف الحرب على غزة، ومنذ أن تلاشى أي أمل في امكان التوصل إلى اتفاق لوقف النار وتبادل الأسرى في غزة.
تفترض مواقف المسؤولين الإسرائيليين أن إسرائيل لن توقف هجماتها، قبل أن يقبل “حزب الله” بتسوية تعيد سكان المستوطنات، الأمر الذي يتطلب موافقة الحزب على فك “جبهة الإسناد” لغزة، وهذا ما يرفضه الحزب بشدة.
ويعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومعه وزير الدفاع يوآف غالانت، أن الضغط العسكري المتواصل على الحزب قد يحمله على فك الارتباط مع “حماس”. وهما ينطلقان من رهان على أن الحزب لن يغامر بالوصول إلى حرب واسعة النطاق وتحمل أكلافها إذا لم يتراجع عن موقفه. وفي هذا السياق، يرى الباحث في معهد واشنطن ماثيو ليفيت أن إسرائيل عمدت عبر عمليات الأسبوع الماضي “إلى تقويض قدرة الحزب على خوض حرب شاملة”.
لكن الباحث في شؤون “حزب الله” في جامعة تل أبيب هارئيل كوريف لا يرى أن إسرائيل قادرة على “تقويض قدرة الحزب إلى ما لا نهاية… إن الشلل الكامل ليس مطروحاً على الطاولة، لكنه تلقى ضربة قوية”.
وتجري إسرائيل استعدادات شمالاً وكأن الحرب واقعة لا محالة. ونقلت قبل أيام الفرقة 98 من الكوماندوس والمظليين من غزة إلى الجبهة الشمالية، وأنهت وحدات أخرى تدريبات تحاكي القتال في لبنان، وتلقى الكثير من جنود الاحتياط أوامر استدعاء. ولم تعد الخطوط الحمر موجودة، وقواعد القتال التي كانت سائدة لأشهر تتغير على نحو متسارع.
وتدليلاً على خطورة الموقف، أعلن البنتاغون أن حاملة الطائرات الأميركية “دوايت س. أيزنهاور” ستتوجه إلى شرق المتوسط اعتباراً من اليوم، لمؤازرة الحاملة “ابراهام لينكولن” الموجودة أصلاً في المنطقة. ولا يخفي المسؤولون الأميركيون خشيتهم من بلوغ الأمور مستوى دخول إسرائيل في عملية برية ولو محدودة إلى جنوب لبنان، من أجل تغيير الوضع القائم، أو على الأقل خلق وقائع جديدة في لبنان والمنطقة تفضي إلى تسويات معينة.
هل من السهل تحقيق سيناريو كهذا؟
من يراجع مسار الحرب في غزة، يتأكد أن إسرائيل التي تمكنت من احتلال القطاع، لم تتمكن بعد من ترجمة مكاسبها العسكرية إلى نتائج سياسية على أرض الواقع.