عقد منتدى الاستراتيجيات الأردني جلسة حوارية بعنوان “عافية الشركات: التوجهات الحديثة في بيئة العمل لتعزيز الإنتاجية”، وذلك بحضور عدد من أعضاء منتدى الاستراتيجيات الأردني ومشاركة مدراء أقسام الموارد البشرية في شركات القطاع الخاص، وعدد من المؤسسات والهيئات الحكومية، لمناقشة أهمية برامج العافية والمبادرات الحديثة في تعزيز الإنتاجية وتحسين بيئة العمل، بالإضافة إلى كيفية تعزيز الثقافة المؤسسية في القطاعين العام والخاص.
وأعربت المديرة التنفيذية لمنتدى الاستراتيجيات الأردني نسرين بركات أن الجلسة الحوارية تأتي انطلاقاً من إيمان المنتدى بأهمية برامج “عافية الشركات”، التي أحدثت نقلة نوعية في أنماط العمل الفاعلة، وإدارة الموارد البشرية المبتكرة، وتعزيز بيئة العمل الإيجابية. وأن تبني مثل تلك البرامج يعكس رؤية المنتدى ورسالته في “بناء قطاع خاص ناجح ومسؤول”، والذي لن يتحقق دون وجود موظفين قادرين على العطاء والإبداع، ودون وجود بيئة عمل صحية ومشجعة ومرنة. مؤكدة على أن هذا النهج هو المفتاح لنجاح الأفراد والمؤسسات على حد سواء.
وأضافت بركات أن الاستثمار في عافية الموظفين هو استثمار استراتيجي، ومتطلب ضروري وحاجة ملحة، لأنه يعزز ولاء الموظفين، ويقلل من نسب الدوران الوظيفي، مما يسهم بشكل مباشر في استمرارية المؤسسات ونجاحها على المدى الطويل.
وقدمت ماري قعوار، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي السابقة والمديرة السابقة لمنظمة العمل الدولية في شرق إفريقيا، عرضًا تقديميًا تناولت فيه تأثير بيئة العمل على تعزيز الإنتاجية. وأكدت أن هناك علاقة وثيقة بين الإنتاجية والتنافسية، إلا أنه لا ينبغي للشركات السعي لزيادة الربحية بمعزل عن صحة العامل ورفاه المجتمع.
وأشارت قعوار إلى أن توفير بيئة عمل مستقرة وآمنة، مع ضمان تكافؤ الفرص، يلعب دورًا جوهريًا في تحسين مستويات الإنتاجية. وأضافت أن الأجور، والمهارات، وهيكل القطاع الخاص، والقطاع غير المنظم، والحوار الاجتماعي، والإطار التشريعي هي جميعها عوامل رئيسية تؤثر في رفع إنتاجية العمل في الأردن.
وختمت قعوار بالتأكيد على أن تعزيز هذه العناصر يُسهم بشكل مباشر في بناء اقتصاد قوي ومستدام، قادر على المنافسة على الصعيدين المحلي والعالمي.
من جانبها، أوضحت وداد قطيشات، مديرة وحدة تطوير القطاع العام في رئاسة الوزراء، أن التحديث الإداري يشكل ركناً أساسياً في مسار التحديث الاقتصادي واستقطاب الاستثمارات، مؤكدة أن توفير كفاءات وموارد بشرية مؤهلة هو المفتاح لتحقيق التقدم في هذا المجال. وأضافت أن تطوير الإدارة العامة ينعكس بشكل مباشر على تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، ويُعزز من قدرة الحكومة على توفير بيئة أعمال جاذبة للاستثمار.
كما أشارت قطيشات إلى أن مراكز الخدمات الحكومية الشاملة تعد واحدة من أبرز المبادرات التي تم إطلاقها مؤخراً، والتي تأتي في إطار التحول الرقمي والرقمنة. مؤكدة أن هذه المراكز تسهم في تحسين تجربة المواطن من خلال توفير خدمات حكومية متكاملة، مما يقلل من البيروقراطية ويسرع في إنجاز المعاملات.
وفيما يخص مكون الثقافة المؤسسية ضمن خارطة طريق تحديث القطاع العام، بينت قطيشات أن هذا المكون يعتبر عنصراً جوهرياً في نجاح عمليات التحديث، مشيرة إلى أن الوحدة تعمل على تنفيذه بشكل شامل ومنهجي.
وأضافت أن تعزيز الثقافة المؤسسية يتطلب التركيز على تعزيز سلوكيات الموظفين الايجابية، وتطوير نظم العمل والإجراءات، مشيرة في هذا السياق إلى أن الوحدة تسعى إلى خلق بيئة عمل إيجابية تدعم الابتكار، وتحفز الموظفين على تقديم أفضل ما لديهم، مما يسهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للحكومة وخارطة طريق تطوير القطاع العام.
وأضافت أن تحديث القطاع العام هو عملية مستمرة تتطلب تكامل الجهود بين جميع الأطراف المعنية، لضمان تقديم خدمات متميزة تلبي احتياجات المواطنين والمستثمرين، وتعزز من تنافسية الاقتصاد الوطني ككل.
وجرى خلال الفعالية جلسة نقاشية أدارها مدير الموارد البشرية وخدمة العملاء في بنك الاتحاد، المهندس دانيال شرايحة، حيث أكد على أهمية الحوار حول هذا الموضوع وتسليط الضوء على قصص نجاح الشركات والمؤسسات. وأشار شرايحة إلى أن استعراض هذه التجارب الناجحة يسهم في إثراء الخبرات العملية، مما يمكن الشركات الأخرى من الاستفادة منها وتطبيق أفضل الممارسات في مجالاتها.
وأكدت نسرين قطامش، المديرة العامة لمؤسسة الحسين للسرطان، أن تحقيق إنتاجية مستدامة سواء على المستوى الشخصي أو المهني لا يمكن أن يتم دون وجود بيئة عمل تدعم الصحة النفسية للموظفين. مشيرة إلى أن الصحة النفسية للعاملين لها أهمية كبيرة، حيث تنعكس بشكل مباشر على أفراد العائلة، مما يستدعي التركيز عليها وإعطائها الأولوية في أماكن العمل دون إهمال.
وأضافت قطامش: “من الضروري توفير آليات قابلة للقياس لتحسين أداء الموظفين، ومتابعة احتياجاتهم بشكل مستمر، علاوة على تحديد الأسباب وراء أي ضعف في الإنتاجية أو التغيرات في بيئة العمل، والتعامل معها بفعالية”.
وأشارت في هذا الصدد إلى أن المؤسسة تعمل على المستوى الوطني لتعزيز مفهوم الصحة النفسية في بيئات العمل، وتسعى إلى شمول هذا المفهوم في مختلف قطاعات العمل. كما أوضحت أن مؤسسة الحسين للسرطان تقدم منافع تأمينية إضافية لدعم الصحة النفسية للموظفين، مما يعكس التزام المؤسسة بتوفير بيئة عمل صحية ومتكاملة.
وبينت مديرة إدارة التغيير والعافية في شركة أدوية الحكمة دانا التميمي، أن شركة أدوية الحكمة ومنذ تأسيسها، تضع رفاهية الموظفين على سلم أولوياتها، وتعمل بشكل مستمر على تطوير المبادرات التي تعزز هذا الجانب الحيوي، الذي لا يرفع من الإنتاجية فحسب، بل ينعكس أيضاً على الأداء العام للشركة، مما يساهم في تعزيز تنافسيتها على المستويين المحلي والدولي.
وأوضحت التميمي أن الشركة تعتمد نهجاً شاملاً في تقييم الأداء والإنتاجية بشكل دوري ومنتظم، وذلك للوقوف على الأسباب التي قد تؤدي إلى ضعف الإنتاجية أو ارتفاع معدلات الدوران، كما تسعى أيضاً لتوفير بيئة عمل مريحة تلبي احتياجات الموظفين المختلفة. مثل تخصيص غرف راحة للنساء الحوامل لدعمهن خلال فترة العمل، وإنشاء أماكن خارجية للعمل في الهواء الطلق، وتخصيص أيام خاصة للعناية بعافية الموظف.
وبينت مديرة الاستراتيجية في شركة بروجرس سوفت، كارول الياس أن تحسين بيئة العمل لا يتطلب دائماً استثمارات ضخمة، حيث يمكن إجراء تغييرات بسيطة مثل تعزيز التواصل بين الفرق، وتوفير خيارات العمل المرن، مما يرفع من رضا الموظفين وإنتاجيتهم وولائهم. وشددت على أهمية التغيير في بيئات العمل، مشيرةً إلى أن الشركات لا ينبغي أن تتردد من اتخاذ خطوات نحو ذلك، بل يجب أن تستغل الفرص المتاحة لتحسين بيئة العمل، وبالتالي تطوير الكفاءات وأداء الشركة بشكل عام، لما في ذلك من انعكاسات هامة على الإنتاجية والابتكار.
وجرى خلال الفعالية حوار ما بين المشاركين والحضور حول أبرز التحديات التي تواجه الشركات في تبني برامج العافية والمبادرات المختلفة، ودورها في زيادة إنتاجية الموظفين، حيث تبادل المشاركون أفكارهم وتجاربهم حول كيفية تحقيق بيئات عمل صحية ومحفزة تسهم في رفاهية الموظف وتعزز من أدائه.