على مدى العام الماضي، كان الجنود الإسرائيليون المتمركزون على قمة جبل معرض للرياح القوية بالقرب من الحدود يراقبون “أعداءهم كما يسمونهم”، وهم ينشرون عناصر وصواريخ.
وقبل السابع من أكتوبر، رصدن هؤلاء تحركات اعتبرنها “مريبة” لعناصر حركة حماس وأبلغن عنها، لكن لم يستمع أحداً لهم، فحصل ما حصل.
ثم عادت وتعقبت عضوات هذه الوحدة العسكرية النسائية، المعروفة باسم “المراقبات الميدانيات”، بعد حماس، مقاتلي حزب الله أثناء قيادتهم عبر الأزقة الضيقة والوديان الخضراء، وضبطن منصات إطلاق الصواريخ، ورصدن أيضا اقترابهم من السياج الحدودي ثم الانسحاب، وأخبرن عما شاهدنه حتى وسّعت إسرائيل حملتها العسكرية في لبنان.
ورغم سلسلة النجاحات العسكرية التي حققتها إسرائيل في الآونة الأخيرة من ناحية الاغتيالات، فإن العديد من المراقبين الميدانيين يقولون إن قادتهم يتجاهلونهم، كما كانوا قبل هجوم حماس، حيث تركوا عرضة للخطر في الشمال بعد التخلي عنهم ليموتوا في الجنوب، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست“.
وأضاف التقرير أن هؤلاء يعتقدون أن قادة الجيش يتجاهلون اليوم إنذاراتهم كما فعلوا قبيل السابع من أكتوبر، إلى أن كانوا أول من قُتل ووقع في الأسر بعد السابع من أكتوبر، في حدث اعتبر أكبر فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل.
كما شددوا على خشيتهم كمراقبين ميدانيين في الشمال، من أن يلحق بهم المصير ذاته على يد عناصر حزب الله.
وقالت إحدى المراقبات: “نحن غير محميين، وهذا يمثل مشكلة بالنسبة لنا، ولكنه يشكل خطراً أيضاً على عملنا، وهو أمر بالغ الأهمية”.
وأوضحت بشرط عدم الكشف عن هويتها وفقاً للبروتوكول العسكري الإسرائيلي، أن رؤساءها “يريدون فقط إسكاتهن، وعدم التوجه إليهم بالشكاوى، قائلة: “لذا فهم يتجاهلوننا أكثر فأكثر”.
كما ذكر التقرير الذي استخلص كلام 7 مراقبين ميدانيين حاليين وسابقين وآبائهم، و5 خبراء عسكريين إسرائيليين ومسؤولين استخباراتيين سابقين وحاليين، عن الدور الذي تلعبه الوحدة خلف الكواليس، موضحين أن القيادة تحاول بكل جهد إسكاتهم وتهميشهم.ويعزو العديد من المراقبين الميدانيين هذا جزئيا إلى كراهية النساء المتأصلة في قوات الجيش الإسرائيلي، حيث يهيمن الرجال على صفوف صنع القرار.وشدد المراقبون الميدانيون على أنهم كانوا على يقين من أن شيئاً كبيراً على وشك الحدوث لأنهم كانوا يفهمون أعداءهم بسبب مراقبتهم لهم.وكانوا يعرفون أسماءهم ووجوههم، فضلاً عن الروتين اليومي.ولكن عندما حاولت النساء إرسال تنبيهات إلى سلسلة القيادة التي تتألف بشكل شبه حصري من الذكور، قيل لهن إنهن لا يستطعن الوصول إلى الصورة الكاملة.وقال رؤساؤهن إن مواقع المراقبين كانت محدودة الرؤية ولم يكن بوسعهن ربط النقاط.بدورها، قالت جيلي يوفال، التي عملت كمراقبة ميدانية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما قامت إسرائيل بتفكيك مستوطناتها في غزة وسحب قواتها، “إنه جيش ذكوري، يُنظر فيه إلى الفتيات على أنهن في حالة هيستيرية، ويقول القادة، بانتظام، “إذا واصلتم إرسال هذه الإنذارات، فسيتم وضعكم في السجن”.إلى ذلك، رفض الجيش الإسرائيلي التعليق على هذه التصريحات، قائلاً إنه لا يستطيع التحدث عن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول أو عواقبها في حين أن التحقيقات جارية.وعلى نطاق أوسع، يشير المراقبون إلى بيروقراطية متجذّرة وغير منظمة.اللافت ذكره أنه وفي عام 2001، تم نقل المراقبين خارج نطاق وكالة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، إلى هيئة جمع المعلومات القتالية التابعة للجيش الإسرائيلي، رغم أنهم استمروا في أداء نفس المهام.وفي نفس الوقت تقريبا، تم تحويل الوحدة المختلطة بين الجنسين، لأسباب لا تزال غير واضحة، إلى قوة نسائية بالكامل.بدوره، رأى عوزي أراد، مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إن الجيش الإسرائيلي “يأخذ الفتيات كعمالة رخيصة”، لأن “القدرات التحليلية للنساء أكبر من قدرات الرجال”..
تحذيرات دون استجابة
يشار إلى أن من بين نحو 1200 شخص قتلوا في السابع من أكتوبر، كان هناك 15 مراقباً ميدانياً من مستوطنة ناحال عوز، ووقع في الأسر 7 مراقبين آخرين.
ولا يزال 5 منهم في الأسر، حيث أبلغ آباؤهم أنهم من بين بضع عشرات من الأسرى الذين يُعتقد أنهم ما زالوا على قيد الحياة، حتى مع استمرار تلاشي آمال التوصل إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى .
وفي الأسابيع التي أعقبت الهجوم، وبينما كانت الدولة المحطمة تبحث عن إجابات، أصبح من الواضح أن المراقبين في ناحال عوز كانوا يحذرون من أمر غير مسبوق وقد تم تجاهلهم.
وكانت المراقبات، اللاتي تتراوح أعمار أغلبهن بين 18 و20 عاما، مسؤولات عن تحديد والإبلاغ عن العديد من الطائرات بدون طيار وقذائف الهاون والصواريخ والصواريخ المضادة للدبابات التي انطلقت عبر سماء شمال إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول
وكنّ بمثابة عيون الجيش على طول الحدود الإسرائيلية المحاصرة، يراقبن شاشات متعددة على مدار الساعة لتوفير الاستطلاع الذي يوجه القوات على الأرض.
وبينما كنّ يرصدن التغييرات في روتين الرجال الذين يراقبونهم ويحققن في تنبيهات الاستخبارات المرسلة من الأعلى، أطلق تحذيراتهم.
وأكدت هؤلاء أنهن كنّ أول من دق ناقوس الخطر قبل عام تماما أثناء مراقبة ميدانية، لاحظن فيها استعدادات حماس لشن هجوم واسع النطاق، لكن لم يكترث لهن أحد.
كذلك كنّ من بين أول من قُتلوا ووقعوا في الأسر بعد السابع من أكتوبر، في حدث اعتبر أكبر فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل.