أطلقت اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، برعاية سمو الأميرة بسمة بنت طلال، رئيسة اللجنة، الثلاثاء، في الجامعة الأردنية، دراسة العنف الاقتصادي ضد المرأة في الأردن.
وهدفت الدراسة التي أجرتها اللجنة بالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، إلى التعرف على العنف الاقتصادي الموجه ضد المرأة بشكل أكثر شمولية، ومدى تأثيره على حياة النساء في الأردن، وتقدير ما إذا كانت هناك علاقة بين ظاهرة العنف الاقتصادي وفقا للحالة الاجتماعية والعلمية، والوقوف على بعض جوانب العنف الاقتصادي الذي تعيشه المرأة في الأردن.
وأكدت سموها أهمية العلاقة بين المؤسسات الوطنية المختلفة للوقوف على التحديات التي تواجه المجتمع المحلي، والمساهمة في وضع الخطط وإيجاد الحلول اللازمة لها، مشيدة في هذا الإطار بالدور الكبير للجامعات والمؤسسات التعليمية الأردنية في توفير فرص التمكين المناسبة للمرأة وخاصة في المجال التعليمي.
وشددت سموها على أهمية التمكين الاقتصادي للمرأة باعتبارها ركيزة أساسية في المجتمع بما يعزز إمكاناتها وقدراتها ومشاركتها في الحياة الاجتماعية والسياسية، وتطوير سياسات وتشريعات تضمن تحقيق هذه الأهداف الوطنية.
ودعت سموها إلى نبذ كل أشكال العنف سواء كان ضد المرأة أو الرجل أو الطفل، وصولا إلى مجتمعات قوية ومتماسكة، مشيدة بتعاون مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية مع اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة والفريق المختص في إعداد للدراسة.
بدوره، قال رئيس الجامعة الأردنية الدكتور نذير عبيدات، إن المرأةَ الأردنيةَ تستحق أنْ نقدم لها الكثير، مؤكدا أن الدين الإسلامي قدَّرَ المرأةَ في مواطن كثيرة، وحثَّ على رعايتِها باعتبارها أمّا وأختا وزوجة.
وطرح عبيدات جملة من التساؤلات حول أشكال العنف ضد المرأة وحقوقها وواجباتها، وموقف المجتمع الأردني منها، مبينا أن الجامعة تشهد تفوقا عدديا للإناثِ في مقاعد الدرس بسبب تفوقها بالتنافس على المقاعد المتاحة في الجامعات.
وأكد ضرورة دعم المرأة وتمكينها لنيل حقوقها كاملة غير منقوصة، معربا عن أمله أن تستفيد كلُّ مؤسسات الدولة من هذه الدراسة، خاصةً وأنها أجريت بالتعاون مع أحد المراكزِ الاستراتيجية المهمة في المملكة والمنطقة، وتحتضنه الجامعةُ الأردنية.
وقال إن الحاجة باتت ملحة لدراسة أسباب العنف ضد المرأة، مؤكدا أهمية التسلّحِ بالعلم والبحث والابتكارِ، لنُثبت للعالم أننا أمةٌ قادرةٌ على أن نمنحَ هذا العالمَ، مثلما أعطيناه ومنحناه سابقا وأننا قادرون على التأثير فيه.
وأكّدت الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، المهندسة مها علي، أن الدراسة تأتي انطلاقاً من حرص اللجنة على رصد قضايا التمييز ضد المرأة في المجال الاقتصادي، وتقييم واقعها، فضلاً عن إدماج قضايا المرأة ومشاركتها الاقتصادية وأولوياتها في الاستراتيجيات والسياسات والتشريعات والخطط والموازنات الوطنية.
وقالت إن الدراسة تسعى إلى المساهمة في رفع معدل مشاركة النساء الاقتصادية في الأردن، والذي لا يزال يراوح مكانه رغم ارتفاعها للإناث الأردنيات فوق سن 15 عاما وفق نتائج مسوح قوة العمل للربع الأخير من عام 2023، بنسبة بلغت 15.1 بالمئة مقارنة بـ 14 بالمئة في الربع الأخير من عام 2022، وهو مؤشر إيجابي يدعو لتكاتف الجهود لتكون المشاركة الاقتصادية أكبر.
وأشارت إلى تقاطع الدراسة في عدد من توصياتها مع الاستراتيجية الوطنية للمرأة للأعوام 2020 2025 ومع استراتيجيتها وخطتها التنفيذية، والتي شملت ضمن محاورها الرئيسة التمكين الاقتصادي للمرأة، ومجابهة العنف ضد النساء والفتيات، ومحور الحقوق الإنسانية، إذ تركّز مخرجات الخطة التنفيذية على وصول المرأة لفرص متساوية للمشاركة والقيادة في الحياة العامة وفي سوق العمل؛ بما يحقق تمتعها بحرية القرار.
كما تتقاطع توصيات الدراسة بحسب علي مع استراتيجية تمكين المرأة في رؤية التحديث الاقتصادي، والتي تبنت عدد من المبادرات التي تهدف إلى مضاعفة مشاركة المرأة في قوة العمل على مدى السنوات العشر المُقبلة.
وبين مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الدكتور زيد عيادات، إن تمكين المرأة يعزز من صمود المجتمعات والأمم ويسهم في ارتقائها، مبينا أن أحد أبرز أزمات العنف ضد المرأة هو تعميق خطاب التمييز في ظل غياب العلم والمعرفة.
وقال عيادات إن التاريخ شهد تحيزا كبيرا ضد المرأة في العالم، إذ تكالبت جميع القوى من أجل تهميشها، معتبرا أن ربط هذه الظاهرة بالأسباب الثقافية أو الدينية خطأ كبير، ما يؤكد أهمية كسر الأساطير والخرافات في هذا الجانب من خلال العلم والأخلاق.
وأوصت الدراسة على مستوى السياسات والمؤسسات، بضرورة مراجعة آليات الدعم وتطوير برامج الحماية الاجتماعية الموجهة للأسر الفقيرة والمحتاجة للوصول بفعالية الى النساء الأكثر ضعفاً وتمكينهن اقتصادياً بما ينعكس إيجابا على الأسرة، وتعزيز دور الوزارات المعنية والإدارات المحلية في توفير خدمات الرعاية للأطفال في المحافظات بما في ذلك النوادي المدرسية للأطفال دون سن الثانية عشر، وخدمات الرعاية لغيرهم من المعالين من كبار السن وذوي الإعاقة لتمكين النساء من دخول سوق العمل والاستمرار فيه.
كما دعت الدراسة إلى تعزيز فرص الحصول على التعليم، وتحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للنساء وتعزيز الوصول إليها، وتوفير وسائل نقل عام آمنة ومتاحة بأوقات وأسعار وجودة مناسبة، وتمكين الجمعيات التعاونية والاتحادات والنقابات العمالية المعنية بعاملات الزراعة لتعمل على ضمان الحقوق الاساسية المتعلقة بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي والمواصلات، وبيئة العمل الآمنة وتوفير المساعدة القانونية لهن.
وعلى المستوى التشريعي، دعت الدراسة إلى مراجعة التشريعات والإجراءات بما يؤسس للاعتراف بمساهمة المرأة في مصاريف الأسرة ودورها كمعيلة في بعض الحالات، مع الأخذ بالاعتبار تغير احوال وممارسات المجتمع وبما ينسجم مع أحكام الشريعة، ومراجعة التشريعات بما يضمن حق الزوجة في الأموال المتحصلة أثناء الحياة الزوجية ومراعاة العمل الرعائي والمنزلي، وتضمين إجراءات التخارج الإلزامية بعد الاطلاع على الوثائق القانونية كافة المتعلقة بالتركة ومعرفة قيمتها قبل التخارج والتنازل عن حصص الإرث.
وشملت التوصيات كذلك مراجعة قانون الضمان الاجتماعي بما يضمن الاعتراف بالمرأة المتقاعدة كمعيلة لأولادها، ومراجعة نظام الخدمة المدنية بما يضمن حق الموظفة بمنحها العلاوة العائلية، بالإضافة إلى مراجعة قانون ضريبة الدخل بما يتيح للمكلفة الحصول على الاعفاءات المنصوص عليها بالقانون أسوة بالمكلف الرجل بما يتعلق بمصاريف التعليم والصحة للأولاد.
ونصت التوصيات كذلك على تفعيل مواد قانون العمل المتعلقة بالمساواة في الاجور، ووضع برامج اقراض خاصة للنساء بما فيها التمويل السكني وتأسيس المشاريع بأسعار فائدة تشجيعية لتعزيز فرص التمكين الاقتصادي للمرأة، وتعزيز الرقابة على إجراءات ومعايير الإقراض في مؤسسات التمويل الأصغر، ومراجعة سعر الفائدة بحيث يعكس المخاطر الحقيقية دون المغالاة في الربح، ووضع آلية السداد ديون العائلات العفيفة المتعثرة من خلال صندوق الزكاة وخاصة الأسر التي ترأسها أو تعيلها النساء.
وفي الجانب المجتمعي، أوصت الدراسة، بضرورة تدريس الثقافة القانونية والحقوقية في المدارس والجامعات، ورفع الوعي المجتمعي وخاصة للنساء والفتيات في سن مبكرة حول الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور الأردني، وقانون الأحوال الشخصية وقانون العمل، وقانون الضمان الاجتماعي، وكذلك رفع الوعي المجتمعي بحقوق النساء بالإرث وفقاً للتشريعات الناظمة، ورفع الوعي المجتمعي بقانون العمل وحقوق العمال، ورفع الوعي المجتمعي حول الأثار السلبية للزواج المبكر.