لمحة الاخباري _حمادة فراعنة
لم تقتصر تفاعلات السابع من أكتوبر عام 2023، وتداعياتها التي ما زالت ساخنة، محتدمة، لدى طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بين المشروعين المتصادمين: المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وتطلعاتهما المتناقضة، الأول من أجل العودة والحرية والاستقلال، والثاني من أجل استمرار الاحتلال والتوسع، ونهب وطن الفلسطينيين، بل امتدت مظاهر التفاعل، ليس فقط نحو العالمين العربي والإسلامي، بل امتدت لتفرض حضورها وتأثيرها لتشمل الولايات المتحدة وأوروبا.
في الولايات المتحدة، لا تتوقف مظاهرات التضامن مع الشعب الفلسطيني، والاحتجاج على مظاهر الدعم الحكومي الرسمي من قبل واشنطن للمستعمرة الإسرائيلية.
على المستوى الرسمي ما زالت الإدارة الأميركية ممعنة في إنحيازها ودعمها السياسي والعسكري والاستخباري والمالي للمستعمرة الإسرائيلية، رغم الجرائم الفاقعة التي ترتكبها قواتها العسكرية ، إلى الحد الذي تصل فيه كي تكون شريك متورط في العمليات العسكرية والاستخبارية لجرائم المستعمرة في القصف والاغتيال، وفي الزيارات الميدانية المتلاحقة للقيادات السياسية: وزير الخارجية بلينكن، والاستخبارية سوليفان مستشار الأمن القومي، والعسكرية الجنرال كوريلا قائد قوات القيادة المركزية، ومن الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، ومن الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
مقابل ذلك تجتاح المظاهرات أغلبية المدن الأميركية لصالح فلسطين ضد المستعمرة، واحتجاجات الطلبة وشملت 62 جامعة في مختلف الولايات الاميركية، وامتدت مظاهرات الطلبة إلى الجامعات الأوروبية وخاصة لدى البلدان التي سبق ووقعت على البيان الخماسي مع الولايات المتحدة، المؤيدة للمستعمرة وهي: البريطانية والفرنسية والألمانية والإيطالية، وقد عبرت تظاهرات الطلبة الأميركية الأوروبية عن موقف: 1- مؤيد وداعم للشعب الفلسطيني، 2- رافض لسياسات المستعمرة الإجرامية، 3- شجباً لسياسات حكوماتهم المؤيدة للمستعمرة، ومطالبتهم العلنية بوقف تزويد السلاح للجيش الإسرائيلي.
وقد برز لأول مرة مظاهر يهودية غير مسبوقة، فقد عبر قيادات اليهود عن اعتزازهم بيهوديتهم، ولكنهم أكدوا في بياناتهم العلنية على أنهم ليسوا صهاينة، وليسوا مع المستعمرة الإسرائيلية، وهذا تحول إيجابي جديد وهام لدى يهود أميركا وأوروبا.
وفي أوروبا التي صنعت المستعمرة: بريطانيا بقراراتها بدءاً من وعد بلفور وما تلاه، وفرنسا بأسلحتها التقليدية والنووية، وألمانيا بدفع اليهود نحو الرحيل إلى فلسطين وبالتعويضات المالية، أعلنت خمسة من البلدان الأوروبية اعترافها بالدولة الفلسطينية، وحقها بالسيادة والاستقلال وإنسحاب الاحتلال، ليضيف إلى مجموع الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية إلى 149 دولة من أصل 193 دولة كامل اعضاء الأمم المتحدة.
قوات المستعمرة ارتكبت جرائم قتل بحق المدنيين الفلسطينيين، لأكثر من أربعين ألف شهيد، وإصابة أكثر من 90 ألف، إضافة إلى المختفين الذين تعرضوا إلى القصف ودُفنوا تحت أنقاض بيوتهم بالآلاف، وتدمير البيوت وجعل قطاع غزة غير مؤهل للحياة، كشفت من خلال جرائمها حقيقة جوهرها العنصري الفاشي الاستعماري أمام العالم، مما أدى إلى هذا التحول التدريجي لصالح الشعب الفلسطيني، وضد شرعية وجود المستعمرة والانكفاء عنها.
السابع من أكتوبر بما حمل من آثام وجرائم ومعاناة ووجع بحق الفلسطينيين، ولكنه شكل خطوة تراكمية تقترب أكثر من أي وقت مضى نحو حرية فلسطين واستقلالها.