بعد مرور أكثر من 400 يوم من العدوان الإسرائيلي على غزة، ومواصلة آلة الحرب من القتل والتدمير واستهداف المدنيين العزل، واستهداف كل ما يتحرك من شمال القطاع حتى جنوبه، وفي ظل استمرار سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية اتجاه الشعب الفلسطيني في غزة وعموم الضفة الغربية والقدس، تنعقد القمة العربية والإسلامية المشتركة في الرياض.
وتأتي القمة امتدادا للقمة العربية والإسلامية المشتركة، التي عقدت في 11 تشرين الثاني من العام الماضي، وفي المكان نفسه.
ويرى الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف من رام الله أن التدمير الممنهج الذي يجري في قطاع غزة وقتل النساء والأطفال والمدنيين وما يجري في الضفة الغربية هو محاولة لشطب القضية الفلسطينية وتصفيتها.
وقال إن على القمة المشتركة التي تعقد للمرة الثانية في ظل حرب الإبادة، أن تضافر كل جهودها لوقف الحرب العدوانية والإجرامية التي لا تزال مستمرة بفعل الشراكة والدعم الأميركي وفي ظل العجز الدولي عن وقفها، إضافة إلى رفض مخططات الاحتلال الإسرائيلي بفرض التهجير سواء من قطاع غزة إلى سيناء ومصر أو من الضفة الغربية والقدس إلى الأردن.
“إفشال مخططات التهجير”
“بات جليا وواضحا لدى الجميع أن رفض الأردن وموقف جلالة الملك والحكومة وكذلك الموقف المصري كانا دائما يقفان إلى جانب نضال الشعب الفلسطيني وإفشال كل مخططات التهجير التي كانت أحد أهداف حرب الإبادة المتواصلة اتجاه الشعب الفلسطيني”، وفق أبو يوسف.
ولاتخاذ موقف عربي إسلامي مشترك ونظرا لتطور الأحداث التي تشهدها الأراضي الفلسطينية ولبنان من عدوان إسرائيلي، تحرّك قادة الدول العربية والإسلامية؛ لبحث إيقاف العدوان وسبل حماية المدنيين ودعم الشعبين الفلسطيني واللبناني، إضافة إلى توحيد المواقف والضغط على المجتمع الدولي للتحرك بجدية؛ لإيقاف الاعتداءات المستمرة وإيجاد حلول مستدامة تضمن الاستقرار والسلام في المنطقة.
المحلل والخبير في الشأن الإسرائيلي سليمان بشارات من نابلس، يعتقد أن هذه القمة تأتي استكمالا لقرارات صدرت في قمة العام الماضي والتي كان من ضمن مخرجاتها تشكيل لجنة عربية لكسر الحصار على قطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية ووقف الحرب على القطاع، بحيث يحظى هذا المحور باهتمام كبير في نقاشات ومخرجات القمة العربية التي ستجرى الاثنين في الرياض؛ لأن الحرب على قطاع غزة لم تعد مرتبطة بالواقع الفلسطيني فحسب بل هي ذات امتدادات وارتدادات عربية وإقليمية ودولية.
- تلويح بمقاطعة إسرائيل –
وشدد الكاتب والباحث السياسي من بيروت خالد زين الدين على ضرورة أن تتخذ الدول المشاركة في القمة قرارات إجرائية تنفيذية سياسية ودبلوماسية وأن تحدد وقتا لتنفيذها والعمل على تشكيل لجنة دبلوماسية للتحرك على صعيد العالم بهدف الضغط على إسرائيل لوقف آلة الحرب على قطاع غزة ولبنان وفرض حل الدولتين؛ لأنه دون حل القضية الفلسطينية لن يكون هناك استقرار في المنطقة.
ودعا زين الدين في حديثه لـ “المملكة”، لاتخاذ قرار بالتلويح بمقاطعة إسرائيل، إضافة لحصار جوي وبحري واقتصادي وإلغاء الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والمعاهدات مع وإسرائيل، وإيقاف ضخ النفط عن الدول المساندة لها.
ومن المتوقع أن تجري “قمة الرياض” مراجعة وتقييما لمخرجات القمة الماضية بالإضافة إلى بحث الحرب في لبنان.
ويشير أبو يوسف إلى أن الجديد في هذه القمة هو استمرار حرب الإبادة بدون فرض عقوبات على الاحتلال وإلزامه بوقف الحرب وإلزام إسرائيل بتطبيق قرارات الشرعية الدولية بما فيها القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية وكل هذه المنظومة التي يضرب بها الاحتلال بعرض الحائط ويستهتر بكل أطراف المجتمع الدولي الذي لا يعترف بهذه القرارات والانصياع لتنفيذها.
وأكد على ضرورة أن يكون هناك موقف جدي وحقيقي يفرض عقوبات على الاحتلال ويستمر في الضغط من أجل وقف الحرب والعدوان والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني بإنهاء الاحتلال وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وحق العودة للاجئين.
ويعتقد بشارات في حديثه لـ “المملكة”، أن الجديد في هذه القمة هو الحرب على لبنان على اعتبار أنها كانت خلال القمة السابقة جبهة الشمال أو الجبهة اللبنانية ذات الإسناد ولم تكن منخرطة ضمن حالة الحرب كما هو الحال الآن؛ لذلك يفترض أن تحظى الحرب على غزة ولبنان متسعا إضافيا من النقاشات والاهتمام.
وتنفيذًا لقرارات القمة العربية – الإسلامية المشتركة غير العادية، باشرت اللجنة الوزارية المكلفة من القمة اجتماعاتها مع عدد من القادة والمسؤولين من دول العالم؛ لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة ومحيطها، وبحث أهمية الوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار، وحماية المدنيين العزّل، والمنشآت الحيوية، ومنها دور العبادة والمستشفيات.
وبحسب بشارات، من المحتمل أن تكون هناك قرارات تتعلق بإيجاد آليات للتعاطي والتعامل مع الحالة الإنسانية المتراكمة والمتردية في قطاع غزة سواء فيما يتعلق بالقطاع الصحي أو القطاع الإنساني بشكل عام، إضافة إلى إعمار قطاع غزة ومستقبل ملف الإعمار على اعتبار أن الحرب الإسرائيلية عملت على تدمير أكبر نسبة ممكنة من المباني والمنازل.
- ضغط عربي إسلامي لوقف الحرب –
ويفترض من القمة دعم صمود ونضال الشعب الفلسطيني في وطنه سياسيا واقتصاديا وماليا وقانونيا ودوليا بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وأوضح بشارات أن هناك عدة مطالب فلسطينية ينبغي مناقشتها خلال القمة أولها أن يكون هناك ضغطا عربيا إسلاميا لوقف هذه الحرب، وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي والقرارات الدولية بحق الاحتلال الإسرائيلي، وأن يكون هناك تعزيز لشبكة الأمان المالي فيما يتعلق بالسلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الفلسطينية في ظل حالة القرصنة الإسرائيلية لأموال المقاصة وفي ظل حالة الحصار المالي الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي.
وينبغي من هذه القمة مناقشة مسألة التقدم لمجلس الأمن بمشروع قرار للاعتراف بدولة فلسطين وإنهاء احتلالها.
وفيما يتعلق بالإدارة الأميركية الجديدة، بين أبو يوسف أن كل الإدارات الأميركية سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية خاصة فيما يتعلق بإسناد ودعم وشراكة مع الاحتلال هي سيان وذات الدعم وإعطاء الضوء الأخضر للإسراف في الجرائم والتغطية على جرائم الاحتلال وحمايته من مغبة مساءلته عن جرائمه المتصاعدة ضد الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.
وشدد بشارات على المطلب الفلسطيني المتعلق بمصير ومستقبل الدولة الفلسطينية في ظل ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من ممارسات في الضفة وغزة وفرض واقع جديد يحول دون إمكانية تطبيق حل الدولتين.
ويرى زين الدين أن ترامب عندما كان رئيسا هو من اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وأنهى حلم الشعب الفلسطيني سياسيا ودبلوماسيا، وخلال حملته الانتخابية الأخيرة وقبيل فوزه قال ” إنني أرى دولة إسرائيل دولة صغيرة وسط محيط كبير ويجب أن تتوسع”.
وفي أواخر تشرين الأول الماضي، أقر الكنيست مشاريع قوانين تحظر أنشطة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في الأرض الفلسطينية المحتلة، ومنع موظفيها من الحصول على الامتيازات والحصانات الدبلوماسية الممنوحة لمنظمات الأمم المتحدة العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية.
وأكد أبو يوسف أن موضوع أونروا ليس جديدا، وحكومة الاحتلال تحاول إنهاء عمل الوكالة وإيجاد بدائل من أجل شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين، كما تحاول الزج باسمها تحت مسمى الإرهاب ومحاولة إنهاء عملها في قطاع غزة وحظر عملها في الأراضي الفلسطينية المحتلة تمهيدا لإنهاء عمل الوكالة من أجل تقويض حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
ووفق بشارات، يتوجب على الدول العربية والإسلامية اتخاذ موقف واضح بشأن تبني وكالة أونروا، بحيث يتم تشكيل شبكة أمان كاملة لها وحمايتها من حالة الابتزاز المالي وكذلك شبكة أمان سياسية تقطع الطريق أمام الاتهامات والمسعى الإسرائيلي؛ لأن استهداف أونروا هو ليس فقط استهداف للواقع الإنساني وإنما هو استهداف لحق العودة.
- الإدارة الأميركية المقبلة –
ويشير بشارات إلى حالة التعويل على الإدارة الأميركية المقبلة، رغم أن ترامب وخلال التجربة السابقة كانت غير مبشرة، لكن بالواقع الجديد قد تتغير الأمور وقد يكون هناك تغير في منطلقات ومنهجيات ترامب وبالتالي يجب استثمار ذلك من خلال الدفع باتجاه ضرورة أن تكون هناك مواقف حاسمة في شكل العلاقة مع الإدارة الأميركية وانعكاساتها على قضايا الشرق الأوسط بشكل عام وعلى القضية الفلسطينية بشكل خاص.
وتابع أبو يوسف” لا نعول على مواقف الإدارة الأميركية بل نعول على إرادة الشعب الفلسطيني بالتمسك في حقوقه وثوابته والدفاع عن أرضه والدفاع عن الأمة العربية والإسلامية بما لها من مقدرات وإمكانيات ودور أساسي ورئيسي في دعم وإسناد الشعب الفلسطيني، والتأكيد على أن مصالح الدول الاستعمارية في المنطقة هو منوط بعملية الوصول إلى أمن واستقرار وسلام يستند إلى حقوق الشعب الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس”.
وأشار زين الدين إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة لديها الكثير من الأزمات التي تواجهها في المنطقة، ومن أولويات ترامب أولا هو الحد من الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة وإعلان حالة طوارئ وطنية تسمح للإدارة الجديدة بإعادة توظيف موارد عسكرية لاحتجاز وإبعاد المهاجرين، وإلغاء سياسات بايدن التي كانت توجه إدارة الهجرة والجمارك بعدم ملاحقة المهاجرين بشكل غير قانوني والذين يرتكبون جرائم، بالإضافة إلى الحرب على غزة والحرب الأوكرانية، وكذلك الملف الإيراني النووي، وعودة الاستقرار الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية، وهناك الكثير من المشاكل التي تواجه ترامب في مرحلته المقبلة.
وأكد زين الدين على ضرورة أن تتخذ القمة العربية الإسلامية قرارا بمنع التدخل في الشؤون اللبنانية بفرض السيادة على لبنان ودعم الحكومة اللبنانية ودعم القوى الأمنية والعسكرية وإنشاء قوة عربية ودولية مشتركة للدفاع عن لبنان في وجه الاعتداءات الإسرائيلية ومنع أي انتهاك لها لأن القرار 1701 إن طبق من جانب لبنان من يضمن إسرائيل في اختراقه أو تطبيقه كاملا أو حتى جزء منه وكذلك الفرض على إسرائيل أن تكون لبنان تحت الحماية الدولية.
وزارة الخارجية اللبنانية، شددت على ضرورة وقف إطلاق النار وإعادة التزام تطبيق القرار الرقم 1701 المتخذ بالإجماع في 11 آب عام 2006، معتبرة ذلك أفضل من استمرار الحرب.
وتبقى الآمال معلقة على قمة الرياض بأن تتخذ قرارات حاسمة تدفع إسرائيل باتجاه وقف الحرب على غزة ولبنان، فالحرب الأخيرة على القطاع هي حرب إبادة لا مثيل لها بحق الشعب الفلسطيني تجاوزت كل الخطوط الحمراء.