لمحة الإخباري _رنا الطويل- على هامش معرض الفن التشكيلي “لوحة ترسم فرحة” في العاصمة الأردنية عمّان، التقت “لمحة الإخباري” بالأسيرة الفلسطينية المحررة إسراء الجعابيص، التي أضفت بوجودها في المعرض قيمة مميزة تمثلت في دعمها للمقاومة من خلال الفن والثقافة، حيث خصص ريعه لدعم أطفال وأهالي غزة.
لم تكتفِ الجعابيص بحضورها كضيفة شرف فحسب، بل جاءت بلوحات تشكيلية أبدعتها بما تبقى من أصابع يدها التي أحرقتها آلة الاحتلال الإسرائيلي، لتكون اللوحات ترجمةً مرئية لرحلتها المليئة بالمعاناة، وحملت معها أيضاً الإصدار الأول من كتابها “موجوعة”، الذي يسرد فصولاً من صراعها داخل السجون الإسرائيلية ومعاناتها مع الرعاية الطبية هناك. لاقى الكتاب إقبالاً من الزوار الذين حرصوا على اقتنائه وتوقيعه منها.
وفي حديث خاص مع “لمحة الإخباري”، شرحت الجعابيص رؤيتها حول دور الثقافة والفن في المقاومة، قائلةً: “الثقافة قادرة على النهوض بفكر الإنسان، وتغيير رؤيته للأزمات التي يمر بها، مما يجعل اللجوء إلى الثقافة والفن بديلاً عن الاستسلام والانحدار نحو قرارات مؤلمة
وتقول الأسيرة الفلسطينية المحررة إن الريشة والألوان، وما تملكه من كلمات، باتت هي أسلحتها لمواصلة طريق المقاومة، مؤكدة أن “الفنون بمختلف أشكالها لا تقل أهمية عن السلاح في يد المقاومين الذين يواجهون المحتل على الأرض”.
إلى جانب اللوحات التشكيلية المنتشرة على جدران المعرض، ستجد ركناً اختارته الجعابيص، لتوقيع كتابها “موجوعة” وتبادل الحديث حول فحواه مع الجمهور، ورغم استماعنا لجزء من حديثها، إلا أننا طلبنا الاستزادة منها، ليكون وصفها للكتاب أبلغ من قراءته.
تقول الجعابيص إنها أطلقت على مراحل الكتابة مصطلح “المواسم”، حيث كان لكل موسم “آلام وصعاب وصبر وأشواك” وغيرها الكثير من معاني الوضع التي كان لا بد أن تترجم إلى كلمات يراها العالم، ويتخيل كل على حدة شكل أيام وسنوات السجن الطويلة.
لم يتوقف وصف إسراء هنا، بل حمل كتابها، كما تقول، صوراً متعددة من “الجوع”، كـ”الجوع العاطفي أو المعنوي أو الذاتي والإنساني”، لذلك كان القلم والورقة سبيلها الأقرب لتفريغ ما يختلج في صدرها وعقلها، من شعور بالقهر والظلم وقلة الحيلة.
“كانت الورقة بمثابة شخص موثوق أفضفض له، وأترك لديه أسراري، وعندما كنت أمسك القلم لأكتب كان قلبي هو من يحركه، كأنه يحول ما في داخله إلى كلمات”، تقول الجعابيص وتتغير ملامحها أكثر كلما تحدثت عن تأثيرات المعتقل عليها كإنسان.
وتضيف أن أكثر ما سلبها إياه المعتقل هو أنوثتها التي ما زالت، كما تصف إسراء، “موجوعة حتى اليوم”.
صحتها الجسدية تدهورت جداً خلال سنوات الأسر، وأجبرتها على إجراء مجموعة كبيرة من العمليات الجراحية خلال فترة قصيرة بعد تحررها، حتى بات الطب اليوم عاجز عن إجراء المزيد من العمليات بسبب ضعف جسدها، وعدم استجابته مؤقتاً للعلاج.
معاناتها من مشاكل في الأعصاب والدماغ بسبب المعتقل، حرمها كذلك من متابعة ما يجري من حرب في غزة ولبنان، “لأن مشاهد الإجرام الصهيوني بحق المدنيين” كما تقول، “يمكن أن تدفعني إلى انهيار عصبي سيكون له تداعيات صحية خطيرة على جسدي”.
لكن وسط هذا الوجع، أوجد الأسر لدى الجعابيص حالة من “النهم” تجاه العلم، ففور تحررها استعادت كتبها الجامعية، وبدأت بدراسة القانون الدولي والإنساني، وخضعت لعشرات الدورات العلمية والفنية وحتى الحرفية، معتبرة أن “هذا الأمر من النقاط الإيجابية التي تعززت في نفسي خلال الأسر”.