تتواصل برامج الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني لبث الأمل في الناجيات من العنف، لمساعدتهن على الخروج من الظل، بدءا من تيسير الوصول إلى دور الرعاية وانتهاء بالتمكين الاقتصادي، حيث تعمل هذه البرامج على إعادة بناء حياة النساء ومساعدتهن على استعادة حقوقهن.
جهات معنية اكدت، أهمية توفير بيئة آمنة للمتضررات من العنف، مشيرة إلى أن الطريق مليء بالتحديات، ويجعل المهمة أكثر تعقيدا، ومع هذا تمثل خدمات الرعاية خطوة مهمة نحو بناء مجتمع مسؤول يضمن الحماية والعدالة لجميع أفراده، خاصة النساء اللواتي يتعرضن للعنف والتمييز.
إدارة حماية الأسرة في مديرية الأمن العام تؤكد على موقعها الرسمي أن لها دوراً حيوياً في حماية الناجيات من العنف وبناء أسس متينة للحياة، بموازاة العمل على ضمان توفير بيئة آمنة وداعمة لهن، كالتدخل السريع لتقديم الرعاية الطبية والنفسية، وتقديم مجموعة من الخدمات المتكاملة لهن؛ بدءا من الإيواء المؤقت في أماكن آمنة، والدعم النفسي والقانوني، وتوفير برامج تأهيل مهني تساعدهن على تحقيق الاستقلال المالي وبناء مستقبل أفضل.
وتعتبر الإدارة أن الدعم النفسي أحد الركائز المهمة في برنامج إعادة تأهيل الناجيات، حيث توفره ضمن جلسات فردية وجماعية لمساعدتهن على التغلب على الصدمات النفسية التي تعرضن لها، وتعليمهن مهارات التكيف مع الحياة، ومن ثم الانتقال الى مرحلة تمكين الناجيات اقتصاديا حيث تقدم لهن لهن برامج تدريبية مهنية تساعدهن على اكتساب مهارات جديدة أو تطوير المهارات الحالية، ما يفتح أمامهن آفاقا جديدة للعمل والاعتماد على الذات مالياً.
ورغم التحديات التي تواجهها الإدارة إلا أن جهودها لم تقتصر على تقديم الخدمات المباشرة للناجيات، بل تتعداها إلى بناء شراكات قوية مع المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية لتوعية المجتمع بأشكال العنف الأسري وآثاره، وتشجيع التبليغ عن الحالات، وتوفير بيئة داعمة للناجيات، وتعزيز حقوق المرأة، وبناء مجتمع أكثر عدالة ومساواة.
مدير مديرية الأحداث والحماية في وزارة التنمية الاجتماعية عماد صهيبة، يؤكد أن الوزارة مظلة لحماية للناجيات من العنف وتقديم الخدمات لهن، مشيرا الى أن الوزارة تعمل ضمن الاستراتيجية الوطنية بالتعامل مع حالات العنف الأسري إلى جانب الشريك الرئيس لها إدارة حماية الأسرة والأحداث، حيث يوجد 19 مكتبا للخدمة الاجتماعية تابعة تتوزع على جميع محافظات المملكة.
وبين أن هذه المكاتب تعمل ضمن منهجية موحدة تعرف بمنهجية إدارة الحالة من خلال تحقيق الاستجابة الأولية للحالة وإحالتها إلى دور الحماية التابعة للوزارة؛ كدار الوفاق الأسري في الشمال والوسط والجنوب لتقديم الخدمات الاجتماعية والنفسية وإعادتها إلى أسرتها ومتابعتها باستمرار.
وأشار صهيبة الى آلية عمل استراتيجيات الوزارة من خلال الخدمات المقدمة للناجيات في مكاتب الخدمة الاجتماعية ودور الحماية التي تقوم على بناء الثقة والحفاظ على السرية ومعرفة أسباب وبواعث العنف، مشيرا الى برامج خاصة بالمنتفعات منها؛ التمكين النفسي وجلسات التفريغ النفسي، ووالبرامج الرياضية، إضافة الى التمكين الاقتصادي من خلال دورات التجميل والحرف اليدوية بشكل منتظم داخل الدور.
وأضاف، إن الوزارة تعمل على توسيع خدمات الدور الإيوائية لتشمل جميع أنحاء المملكة، من خلال توزيعات دار الوفاق الأسري في أقاليم الشمال والوسط والجنوب، وتحديد الاختصاصات النوعية لكل دار لتصبح حالات العنف الأسري من اختصاص دار الوفاق الأسري، والعنف والاعتداء الجنسي من اختصاص دار رعاية الفتيات، وحالات المعرضات للخطر من اختصاص دار رعاية وتأهيل النساء “آمنة”.
من جانبها، قالت أخصائية المساندة والإرشاد النفسي والاجتماعي في جمعية معهد تضامن النساء الدكتورة ملك السعودي، إن التعامل مع دور الرعاية والإيواء يتم من خلال نظام الإحالة، حيث يتم استقبال الحالة ومن ثم يقوم فريق “تضامن” بإجراء دراسة اجتماعية للحالة، ليتم بعدها التواصل مع إدارة حماية الأسرة لإحالتها، ومن ثم نقلها إلى إحدى دور الرعاية الاجتماعية، وفقا لبعض السياسات المتبعة لإدخال النساء إلى الدور، مشيرة إلى مذكرات التفاهم مع عدد من المؤسسات مقدمة الخدمة وعلى رأسها إدارة حماية الأسرة والأحداث، ودور الرعاية الاجتماعية، ومركز الإصلاح والتأهيل.
وأضافت، إن “تضامن” تقدم خدمات اجتماعية ونفسية وقانونية للحالات ضمن جلسات فردية وجماعية، مؤكدة أن الجمعية تقدم جلسة دعم نفسي أولي لجميع الحالات، ومن ثم تقوم بالتنسيق لعقد جلسات مع منسقات الميدان للوصول إلى جميع المحتاجات للخدمة، خاصة اللواتي لا يستطعن الوصول شخصيا، مشيرة الى استمرار الزيارات لتقديم الدعم سواء شخصيا أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي والهاتف.
وأشارت السعودي إلى أبرز التحديات التي تواجه الجمعية، مثل تدني الوعي لدى الحالات التي تتعرض للعنف، وانعدام الدعم المالي كبدل المواصلات ما يعيق قدرة الحالة على التواجد مع الأخصائيات في الجمعية، بالإضافة لتحديات الوصول إلى بعض المناطق التي تضم الفئات المهمشة، ورفض بعض الحالات عملية الإحالة بسبب عدم معرفتهن بخدمات المؤسسات.
ولفتت إلى أن الجمعية ساعدت العديد من الناجيات من العنف، مشيرة إلى قصة سيدة من جنسية عربية قامت “تضامن” بتوثيق أوراقها الرسمية خارج وداخل البلاد، بعد أن تم إخراجها من دائرة العنف الموجهة لها من زوجها، حيث قدمت لها الجمعية خدمات صحية ونفسية، كما تمكن الفريق القانوني من إتمام إجراءات الطلاق، وضمان حصولها على حقوقها، وتمكينها اقتصاديا وتوفير فرصة عمل ومكان آمن لها، مع متابعتها للجلسات النفسية والاجتماعية.
بدوره، قال المدير التنفيذي لاتحاد المرأة الأرنية مكرم عودة، إن الاتحاد يسعى إلى تعزيز التعاون والتنسيق مع الجهات المعنية، سواء الرسمية أو غير الرسمية للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات، كونه انتهاكا للحقوق والقوانين ويتسبب بآثار اجتماعية وصحية واقتصادية ونفسية تؤثر على المجتمع بأسره، ما يعيق جهود التنمية المستدامة.
وأضاف، أن الاتحاد يركز على توفير الحماية والخدمات اللازمة للناجيات من العنف، ويعمل على التخطيط والتنفيذ لمشاريع تنموية تهدف إلى تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء، ما يجعل العلاقة بينه وبين الجهات الأخرى قائمة على التنسيق والإحالة الفعالة.
وبين أن الاتحاد بنى استراتيجيته للعمل مع النساء المعفنات على نهج تشاركي يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة (2030)، خصوصا الهدف الخامس المتعلق بالمساواة التامة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات، وتشمل هذه الاستراتيجية محاور متعددة مثل التمكين الاقتصادي والسياسي والرعاية الصحية والقانونية، وتعزيز الوصول إلى العدالة، مشيرا إلى أن الاستراتيجية تعمل على دمج منظور النوع الاجتماعي في السياسات العامة للقضاء على العنف، وتعزيز وتنويع الخدمات للناجيات، ورفع الوعي بمخاطر العنف، وضمان حصول الناجيات على حقوقهن في السلامة والأمان والكرامة.
وأشار عودة إلى أن الاتحاد حقق نجاحات ملحوظة، حيث تمكنت العديد من النساء من استكمال دراستهن، والاستقلال المالي، وإطلاق مشاريع صغيرة، والاندماج في سوق العمل، لافتا إلى الحملات التي يعمل عليها الاتحاد كحملة “16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة”، وحملة رفع سن الزواج، ومناهضة الزواج المبكر.
مفوض الحماية في المركز الوطني لحقوق الإنسان الدكتورة نهلا المومني، أشلرت الى أن المركز يعمل على رصد التشريعات والسياسات والممارسات المتعلقة بحقوق الإنسان في الأردن، حيث يقوم بمراجعة النصوص القانونية ومدى مواءمتها مع الدستور والاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ومتابعة تطبيق القوانين المتعلقة بحماية المرأة من العنف، واستقباله الشكاوى وتنفيذه زيارات رصدية للدور الإيوائية مثل دار الوفاق الأسري ودار آمنة، بالإضافة إلى تقديم توصيات لتعديل التشريعات وضمان مواءمتها مع المعايير الدولية، مشيرة إلى أن المركز يقوم بتنظيم جلسات وندوات مع المسؤولين، وإصدار تقارير دورية عن أوضاع حقوق الإنسان في الأردن، بالإضافة إلى أوراق بحثية متخصصة حول التشريعات المتعلقة بالمرأة.
وفيما يتعلق بالدعم القانوني للناجيات من العنف، بينت أن المركز يستقبل الشكاوى ويقدم الاستشارات القانونية سواء بالحضور الشخصي أو عبر الخط الساخن، وينفذ زيارات ميدانية لرصد أوضاع النساء في مراكز الإصلاح والتأهيل والدور الإيوائية، مشيرة الى التنسيق بين المركز ونقابة المحامين أو المؤسسات الشريكة لتقديم الدعم القانوني عند الحاجة لذلك، إلى جانب توعية النساء بحقوقهن القانونية وتقديم توصيات لتعديل التشريعات المتعلقة بالمساعدة القانونية المجانية.