لمحة الاخباري _ريما جغبير
شهد الأردن في العقد الأخير سلسلة من الإصلاحات السياسية والتعديلات الدستورية التي تهدف إلى تمهيد الطريق نحو حكومات برلمانية، حيث تُصبح الأحزاب السياسية الركيزة الأساسية لتشكيل الحكومات.لكنلا تزال التحديات قائمة في تحقيق النموذج البرلماني المنشود. فالإنجازات التشريعية التي عززت دور الأحزاب لم تترجم بعد إلى واقع ملموس، ولا يزال المشهد السياسي غير ناضج بما يكفي لتطبيق الحكومات البرلمانية بشكل فعّال.تكمن المشكلة في أن العديد من الأحزاب تعتمد بشكل كبير على الفردية والعلاقات الشخصية بدلاً من الاعتماد على برامج حزبية واضحة ومتكاملة. هذه الثقافة السياسية تعيق التعاون والثقة بين الأحزاب السياسية ومؤسسات الدولة، وهو ما يعتبر أساسًا لنجاح أي تجربة برلمانية. لذا، من الضروري إعادة النظر في آلية تشكيل الأحزاب، بحيث تُبنى من القاعدة إلى الهرم، فكل الأحزاب يجب أن تكون جزءًا من نسيج الوطن، وتعمل على تحقيق المصلحة الوطنية دون تمييز بين موالين ومعارضين.إلى جانب التحديات الداخلية التي تواجه النظام السياسي، هناك ضغوط إقليمية ودولية تساهم في تعقيد المشهد. الحرب في غزة، الصراعات الإقليمية المستمرة، والتوترات الاقتصادية التي تزيدها أزمة اللاجئين، كلها عوامل تدفع الأردن إلى التريث في تنفيذ الإصلاحات السياسية بشكل كامل. هذه الظروف تجعل اي حكومة تتوخى الحذر في اتخاذ خطوات جريئة نحو تطبيق النظام البرلماني، خشية أن تؤدي هذه الإصلاحات إلى زعزعة الاستقرار الداخليأمام حكومة الدكتور جعفر حسان دور كبير في تعزيز الحوار مع الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية، ويجب أن يترافق هذا الدور مع مراجعة شاملة للقوانين الناظمة للحياة السياسية.نجاح مشروع التحديث السياسي الذي أشار إليه جلالة الملك عبد الله الثاني يعتمد بشكل كبير على قدرة الحكومة على التغلب على التحديات، وتعزيز الثقة بين الأطراف السياسية المختلفة. لن يتحقق هذا النجاح إلا بتضافر جهود الحكومة، البرلمان، والأحزاب، والعمل على تغليب المصلحة الوطنية على أي مصالح حزبية أو شخصية.تقف الحكومة والبرلمان والأحزاب الأردنية أمام فرصة حقيقية لتطبيق الرؤية الملكية وتحقيق تحول نوعي في الحياة السياسية. لكن لتحقيق هذا الهدف، يجب تجاوز العقبات الراهنة وتطوير النظام الحزبي ليكون أكثر نضجًا واستقرارًا. لا يمكن لأي حزب أن يحتكر الولاء أو يدعي تمثيل الدولة وحده، فجميع الأحزاب هي جزء من هذا الوطنالتحول نحو حكومات برلمانية حقيقية يتطلب إرادة سياسية قوية وجهودًا مستمرة لتطوير الثقافة السياسية في المجتمع. الاستقرار السياسي لن يتحقق إلا من خلال تضافر جهود جميع الأطراف، مع العمل على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية التي تحيط بالأردن. تضافر هذه الجهود سيعزز مكانة الأردن السياسية ويضمن استقراره في ظل الأزمات المحيطة به.نحن أمام حكومة جديدة هي الأولى في عهد مجلس نواب كان حصيلة التحديث السياسي الذي أراده جلالة الملك، وأثمر عن قانوني الانتخاب والأحزاب، إلى جانب الإصلاح الاقتصادي والإداري. تكاتف مجلس النواب، الأول في عهد الإصلاح السياسي، مع الحكومة مهم جدا،على قاعدة التعاون، للوصول إلى الأهداف الوطنية في تخفيض المديونية وزيادة النمو وتقليص عجز الموازنة وتحسين المؤشرات الاقتصادية. هذه حالة مثالية والرئيس المكلف بخبرته ورؤاه والنهج الذي نشأ عليه، قادر على صناعة فرق إيجابي لصالح الاقتصاد الوطني وبالتالي خدمة الوطن والمواطن.