أَيُّهَا السَّامِعُونَ، هَا نَحْنُ الْيَوْمَ نَقِفُ عَلَى عَتَبَاتِ مَجْدٍ عَرِيقٍ، نَحْتَفِلُ بِلُغَةٍ حَبَاهَا اللَّهُ خَصَائِصَ الْبَيَانِ، وَجَعَلَهَا وِعَاءً لِوَحْيِهِ الْكَرِيمِ، لُغَةٌ تَشْهَدُ لَهَا السَّمَاءُ بِعَذُوبَتِهَا، وَتَنْبَهِرُ بِهَا الْعُقُولُ بِفَصَاحَتِهَا، إِنَّهَا لُغَةُ الضَّادِ، الَّتِي بِهَا تُصَاغُ أَرْوَعُ الْمَعَانِي، وَتُبْنَى أَبْهَى الْحَضَارَاتِ.
فِي يَوْمِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، نُعِيدُ إِلَى الْأَذْهَانِ بَرِيقًا خَبَا فِي زَحْمَةِ الْحَدَاثَةِ، وَنُنِيرُ زَوَايَا أَرْوَاحِنَا بِضِيَاءِ هَذِهِ اللُّغَةِ الَّتِي نَسَجَتْ أَحْرُفَهَا بِأَلْوَانِ الْعَظَمَةِ وَالْبَلَاغَةِ، كَيْفَ لَا؟ وَهِيَ الَّتِي أَسْهَبَتْ فِي وَصْفِ الْحُسْنِ، وَأَجَادَتْ فِي التَّعْبِيرِ عَنِ الْأَلَمِ، وَكَسَتْ مَشَاعِرَ الْإِنْسَانِ أَبْهَى الْحُلَلِ.
هِيَ لُغَةٌ تُحْيِي فِي النُّفُوسِ الْأَمَلَ وَتُذِيبُ جَلِيدَ الْكآبَةِ، إِذَا نُطِقَتْ بِهَا الْقُلُوبُ اهْتَزَّتْ جَوَانِبُهَا طَرَبًا، وَإِذَا خَطَّتْهَا الْأَقْلَامُ انْطَلَقَتْ كَالطَّيْرِ تُحَلِّقُ فِي سَمَاءِ الْإِبْدَاعِ، إِنَّهَا لُغَةُ الشُّعَرَاءِ وَالْخُطَبَاءِ، الَّذِينَ صَاغُوا مِنْ كَلِمَاتِهَا دُرَرًا خَالِدَةً، وَأَبْدَعُوا فِي نَظْمِ قَصَائِدِهَا أَسَاطِيرَ تَتَنَاقَلُهَا الْأَجْيَالُ.
أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، إِنَّ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ وَسِيلَةٍ لِلتَّوَاصُلِ فَحَسْبُ، بَلْ هِيَ تَارِيخٌ نَابِضٌ بِالْحَيَاةِ، وَهُوِيَّةٌ تُعَرِّفُنَا أَمَامَ الْأُمَمِ، وَجِسْرٌ يُوصِلُنَا بِأَمْجَادِنَا، فَكَيْفَ نَتْرُكُهَا تُهَمَّشُ أَوْ تُنْسَى، وَهِيَ الَّتِي أَهْدَتْنَا الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ، وَدَثَّرَتْنَا بِالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ مُنْذُ قُرُونٍ؟
فَلْنُجَدِّدِ الْعَهْدَ مَعَ لُغَتِنَا، وَلْنَنْثُرْ بَيْنَ أَيْدِينَا زُهُورَ الِاهْتِمَامِ بِهَا، تَعْلِيمًا، وَفَهْمًا، وَنُطْقًا وَكِتَابَةً، فَهِيَ شَمْسٌ لَا تَغِيبُ، وَنَهْرٌ لَا يَنْضُبُ، وَمَجْدٌ لَا يَنْدَثِرُ.
يَا لُغَةَ الضَّادِ، أَنْتِ النُّورُ الَّذِي لَا يَنْطَفِئُ، وَالْحُلْمُ الَّذِي لَا يَشِيخُ، وَالْأُمُّ الَّتِي تَحْتَضِنُ أَبْنَاءَهَا بِفَيْضِ الْحَنَانِ، عِشْتِ شَامِخَةً عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ، وَسَتَبْقَيْنَ تَاجًا عَلَى رُؤُوسِ الْأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ.