في العمل العام والخاص، تبرز احيانا ظاهرة “الطبول الجوفاء”، وهم أولئك الذين يتصدرون المشهد في منظومنهم دون أن يقدموا أي قيمة حقيقية أو رؤية تطويرية للعمل التي يتقلدون فيها المواقع والمناصب فهذه الفئة تعيش على أمجاد الماضي، او بالأحرى على روايات وأوهام الماضي التي يرددونها مرارًا وتكرارًا عند كل استفسار حول خططهم الحالية والمستقبلية فما أن يُسأل أحدهم عن رؤيته لتطوير وتحديث العمل، حتى يلجأ مباشرة إلى استعراض إنجازات مزعومة تحققت في سنوات خلت، مؤكدًا أنه كان يومًا ما مسؤولًا عن عدد كبير من الأفراد بمستويات ورتب متنوعه ولكن الحقيقة المؤسفة هي أن هذا التفاخر بالماضي لا يعكس إلا فراغ الحاضر، ويكشف عن عجز حقيقي عن المساهمة في بناء المستقبل.
العمل ايا كان بطبيعته، لا يمتلك رفاهية الركون إلى السكون للماضي فهو بيئة تتطلب الإبداع، والتفاعل المستمر مع التحديات الجديدة، والقدرة على إيجاد حلول مبتكرة لتحسين حياة الناس وتطوير المؤسسات إلا أن “الطبول الجوفاء” يرفضون الاعتراف بهذه الحقيقة، ويتشبثون بمقاعدهم التي تفوقهم حجمًا وتأثيرًا، وكأنها غاية في حد ذاتها وليست وسيلة لتحقيق التغيير فجلوسهم على هذه الكراسي، دون أي كفاءة تُذكر أو خطة تطويرية تُلمس، يُعدّ بمثابة حجر عثرة أمام أي محاولة للنهوض بمنظومة العمل، بل ويُشكل عبئًا يستهلك موارد العمل وجهوده دون أن يقدم بالمقابل أي قيمة مضافة.
ما يزيد الأمر سوءًا هو أن هذه الفئة، بسبب فراغها الفكري وعجزها عن التطوير، غالبًا ما ترفض التغيير وتهاجمه فهم يشعرون بالتهديد من أي كفاءة شابة أو شخصية تمتلك رؤية واضحة ومهارات قادرة على إحداث نقلة نوعية في العمل فبدلًا من دعم هذه الكفاءات، يسعون إلى تهميشها ومحاربتها، حتى لا تفضح حقيقة عجزهم أمام الجميع وهذا التصرف الأناني لا يؤدي فقط إلى إعاقة تقدم العمل، بل يقتل الروح الإبداعية في المنظومة ككل، ويخلق بيئة طاردة للكفاءات القادرة على صنع الفارق.
ومن ناحية أخرى، تتميز “الطبول الجوفاء” بميلهم إلى تضخيم الذات والانشغال بالمظاهر، حيث تتركز جهودهم في تعزيز صورتهم الشخصية، بدلاً من تحسين بيئة العمل أو تطوير الخدمات فتجدهم يحرصون على الاجتماعات الشكلية، والبيانات الرنانة، والمناسبات الاحتفالية التي لا تثمر عن أي نتائج عملية وفي الوقت نفسه، يرفضون تحمل المسؤولية عن أي إخفاق، ويلقون باللوم على الظروف، أو الآخرين، أو حتى على الأجيال السابقة.
هذه الظاهرة تمثل خطورة بالغة على منظومة العمل، لأن بقاء هذه الفئة في مواقع متقدمة كصف اول فيادي يؤدي إلى نتائج كارثية على المدى الطويل فوجودهم يعني تجميد عجلة التطوير، وإهدار الوقت، وإفساد ثقافة العمل الجماعي كما أن استمرارهم يرسّخ فكرة أن المناصب تُمنح بناءً على الولاءات أو المصالح الشخصية، لا بناءً على الكفاءة والقدرة على الإنجاز.
العمل، في حقيقته، يتطلب مدراء وقادة يدركون معنى المسؤولية وانها ليست امتيازًا، بل تكليف يتطلب الالتزام والعمل الجاد فالمطلوب ليس أشخاصًا يجيدون التفاخر بالماضي، بل قادة يمتلكون رؤية استراتيجية واضحة، وشجاعة لاتخاذ القرارات، وقدرة على تحويل الأفكار إلى خطط واقعية تخدم الناس وتحقق التطوير والتغيير فهؤلاء القادة هم الذين يضعون مصلحة المنظومة فوق مصالحهم الشخصية، ويعملون على تمكين الكفاءات، وخلق بيئة عمل محفزة تقوم على التعاون والإبداع.
أما “الطبول الجوفاء”، فلا مكان لهم في منظومة تسعى للتقدم فوجودهم يعني الرجوع إلى الوراء، والعيش في دائرة مفرغة من الفشل المكرر لذلك، يجب أن يكون هناك وعي بأهمية إقصاء هذه الفئة وابعادها، والاعتماد على الكفاءات الحقيقية التي تمتلك الفكر والإرادة لصنع مستقبل أفضل فالعمل الحقيقي لا يحتمل وجود الفارغين الذين لا يملكون سوى الضجيج، بل يحتاج إلى عقول مليئة بالأفكار، وقلوب نابضة بالإخلاص، وأيادٍ مستعدة للبناء والتطوير.