اللواء المتقاعد عامر محمد صالح جلوق كان واحدًا من القامات الوطنية التي تركت بصمة عميقة في تاريخ الأردن الأمني. امتدت مسيرته المهنية على مدى عقود من الزمن، اتسمت بخدمة الوطن والملك بإخلاص وتفانٍ قلّ نظيرهما، ما جعله أحد أبرز القيادات الأمنية والاستخبارية التي ساهمت في تعزيز أمن واستقرار المملكة الأردنية الهاشمية في حقبة التسعينات
بدأ اللواء عامر جلوق مسيرته الأمنية في جهاز المخابرات العامة الأردنية، حيث انخرط في العمل في فترة كانت تشهد فيها المنطقة تقلبات سياسية وأمنية مضطربة . كانت تلك الفترة تتطلب رجالًا قادرين على مواجهة التحديات بحنكة ودراية، وقد أثبت اللواء جلوق جدارته منذ اللحظات الأولى.
عمل في مختلف الأقسام داخل الجهاز، حيث برز كضابط عمليات يتمتع برؤية استراتيجية ثاقبة وقدرة استثنائية على التحليل الأمني والسياسي. كانت مهاراته القيادية وكفاءته العملية عوامل رئيسية في صعوده السريع داخل الجهاز ، حيث تدرّج في المناصب حتى أصبح مساعد مدير المخابرات العامة للشأن الارهابي .
خلال توليه هذا المنصب الرفيع، اطلع اللواء جلوق بمسؤوليات كبيرة تتعلق بإدارة ملفات أمنية حساسة، كان لها أثر مباشر على استقرار المملكة في ظل التحديات المتزايدة على المستويين المحلي والإقليمي.
التصدي للتهديدات الإرهابية:
في فترة عمله، لعب اللواء جلوق دورًا محوريًا في إحباط العديد من المخططات الإرهابية التي استهدفت البلاد وسيد البلاد . تمكن، عبر قيادة فريق من الضباط الأكفاء، من تحليل وتتبع المعلومات الأمنية بدقة فائقة، ما أدى إلى كشف العديد من الشبكات الإرهابية قبل أن تتمكن من تنفيذ مخططاتها على الساحة
تعزيز الأمن على الحدود:
كانت المنطقة تمر بظروف استثنائية بسبب الأزمات الإقليمية، لا سيما الحرب في سوريا والعراق، وما نتج عنها من تهديدات أمنية متزايدة مثل تهريب السلاح والإرهاب. قاد اللواء جلوق جهودًا مكثفة لتعزيز الأمن على الحدود الأردنية، ما أسهم في حماية المملكة من أي اختراقات أو تهديدات محتملة.
بناء علاقات دولية:
كان للواء جلوق دور كبير في تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين الأردن ودول الجوار، وكذلك مع الدول الكبرى. ساهم هذا التعاون في تبادل المعلومات الأمنية، مما مكّن الأردن من أن يكون لاعبًا أساسيًا في مكافحة الإرهاب على المستوى الإقليمي والدولي.
إدارة الأزمات:
أظهر اللواء جلوق براعة في التعامل مع الأزمات الوطنية، مثل أزمة اللاجئين التي نتجت عن الصراعات في الدول المجاورة. عمل على التنسيق بين الجهات الأمنية والإنسانية لضمان إدارة الأزمة بطريقة تحافظ على الأمن الوطني مع احترام البعد الإنساني.
تطوير الكوادر الأمنية:
لم يكن عمل اللواء جلوق يقتصر على التعامل مع التحديات الأمنية فحسب، بل أولى اهتمامًا خاصًا لتطوير القدرات البشرية داخل جهاز المخابرات. كان يؤمن بأن الأمن يعتمد بشكل كبير على كفاءة الأفراد، لذا عمل على تدريب وتأهيل الضباط الشباب لنقل خبراته إليهم، مما ساهم في استدامة قوة الجهاز.
التوعية المجتمعية:
كان من القيادات التي تؤمن بأن الأمن لا يقتصر على العمل الاستخباراتي فحسب، بل يمتد ليشمل المجتمع بأكمله. عمل على مبادرات تهدف إلى تعزيز الوعي الأمني بين المواطنين، لإشراكهم في حماية الوطن والتصدي لأي تهديدات داخلية.
تميز اللواء عامر جلوق بشخصية قيادية جمعت بين الحزم والإنسانية. كان صاحب رؤية ثاقبة وأسلوب قيادي يعتمد على العمل بروح الفريق. عُرف بتواضعه وقربه من زملائه، حيث كان دائمًا مستعدًا للاستماع لمرؤوسيه، مما أكسبه احترام الجميع.
إلى جانب دوره الأمني البارز، كان اللواء عامر جلوق أحد صناع القرار المؤثرين في قضايا وطنية مفصلية، من بينها صياغة وتنفيذ “الصوت الواحد”، وهو النظام الانتخابي الذي اعتمد لفترة طويلة في الأردن. لعب دورًا في تقديم رؤية أمنية وسياسية لهذا النظام، والذي كان يهدف في وقته إلى تحقيق الاستقرار السياسي وتعزيز تماسك المجتمع في ظل ظروف إقليمية حساسة. يعكس هذا دوره في المساهمة ليس فقط على الصعيد الأمني، بل أيضًا في صياغة سياسات وطنية أثرت في الحياة السياسية الأردنية.
كان يحظى بتقدير كبير ليس فقط داخل جهاز المخابرات، بل أيضًا بين مختلف الأوساط الرسمية والشعبية. كان يرى في عمله رسالة وطنية قبل أن يكون وظيفة، وأدى واجباته بإيمان راسخ بأن أمن الأردن هو أولوية قصوى.
ترك اللواء عامر جلوق إرثًا عظيمًا في المجال الأمني، يتمثل في منظومة عمل متكاملة تعتمد على التخطيط الاستراتيجي والجاهزية العالية. لقد ساهمت جهوده في بناء جهاز مخابرات قوي وفاعل، لا يزال يُشهد له بالكفاءة والقدرة على التعامل مع أصعب الظروف.
رغم تقاعده، استمر تأثيره في المجتمع الأردني، حيث ظل يُنظر إليه كرمز للولاء والإخلاص للوطن والقائد . وبرحيله، فقد الأردن قائدًا من قادته الأمنيين الذين قدموا الكثير لحماية أمنه واستقراره.
سيبقى اسم اللواء عامر جلوق محفورًا في ذاكرة الأردنيين، وسيظل مصدر إلهام لكل من يسعى لخدمة وطنه بإخلاص وتفانٍ. نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.
الابنه المحبه
د.رايه خليفات