لمحة الاخباري _نسمة تشطة
عندما نتحدث عن النقل الحضري في المدن الكبرى، نتخيل حلولًا ذكية ومستدامة وفعالة تخدم الجميع دون التسبب في كوارث مرورية، ولكن عندما ننظر إلى الباص السريع في الأردن نجد أنفسنا أمام معضلة لا تمت بصلة إلى السرعة سوى بالاسم. مشروع يفترض أن يكون وسيلة لتخفيف الأزمات المرورية لكنه استولى على ثلث مساحة الطريق في الاتجاهين، ليجعل شوارع عمان المزدحمة أصلًا أكثر اختناقًا من أي وقت مضى. الحل كان واضحًا منذ البداية، باص معلق أو مترو خفيف، لكن يبدو أن الحلول الذكية لا تجد طريقها إلى التطبيق هنا، وكأن الغاية لم تكن تقديم حل حقيقي بل تنفيذ مشروع دون الاكتراث بتبعاته
الدول التي تطبق مشاريع الباص السريع بشكل ناجح مثل فرنسا وكندا والصين تراعي أمورًا مثل سعة الطرق والبنية التحتية قبل التنفيذ، فلماذا تم تنفيذ المشروع بهذه الطريقة المبتورة لدينا؟ كان بالإمكان تصميمه كخط معلق أو حتى نفق، بدلًا من تحويل عمان إلى موقف سيارات ضخم يمتد لعدة كيلومترات من الاختناق المروري. بدلًا من أن يكون المشروع وسيلة لتحسين الحياة اليومية، أصبح عبئًا جديدًا يضاف إلى معاناة السائقين والمشاة الذين لم يجدوا في هذه الفكرة حلًا، بل مزيدًا من الفوضى
التكلفة لم تكن بسيطة، بل بلغت مئات الملايين، ومع ذلك، هل يستحق هذا المشروع كل هذه الميزانية الضخمة؟ أم أنه مجرد ديكور مروري جديد أضيف إلى العاصمة دون أن يقدم حلولًا حقيقية؟ الازدحام لا يزال مستمرًا، الوقت المهدور في الشوارع يتزايد، والناس يبحثون عن حلول بديلة مثل السير على الأقدام تجنبًا للجنون المروري الذي أصبح واقعًا يوميًا، وكأن المدينة تعاقب سكانها بدلًا من أن تسهّل حياتهم
لا شك أن النقل العام ضروري، لكنه يجب أن يكون منطقيًا ومدروسًا، لا أن يتحول إلى تجربة مرهقة يدفع الجميع ثمنها كل يوم. المطلوب ليس مجرد حلول جزئية تزيد الطين بلة، بل استثمارات جريئة في النقل المعلق والمترو والتخطيط الحضري الذكي. المشكلة لم تكن يومًا في الحاجة إلى مواصلات عامة، بل في غياب الرؤية الحقيقية للتطوير، حيث يتم اتخاذ قرارات كبرى دون دراسة أثرها بعيد المدى على المدينة وسكانها
الباص السريع كان فرصة ذهبية لتحويل عمان إلى مدينة أكثر ذكاءً لكنه بدلًا من ذلك أصبح رمزًا للتخطيط السيئ والتنفيذ غير المدروس، فهل حان الوقت لإعادة تقييم المشروع قبل أن يصبح عبئًا لا يمكن التراجع عنه؟