لمحة الاخباري _خاص
في شوارع السويد تنمو الأشجار محملة بثمارها في الجزر الوسطية وبين الأرصفة تمتد أذرع الطبيعة لتقدم للناس غذاءهم دون مقابل في موسم الحصاد ينزل المواطن إلى الشارع يقطف حاجته فقط لا أكثر ولا أقل لا رقيب سوى ضميره ولا حارس سوى الوعي الجمعي الذي تشكّل عبر الزمن فلا إسراف ولا تهافت ولا أنانية وكأن هذه الأشجار انعكاس حي لفكرة العدل والتوازن في الكون
لكن حين ننظر إلى واقعنا نجد أن هذه التجربة تبدو غريبة وكأنها تنتمي لعالم آخر لماذا لا نزرع أشجار الفاكهة في مدننا لماذا لا نحول الشوارع إلى حدائق مفتوحة تتنفس عطراً وتمنح الحياة لماذا لا يكون الطعام مشاعاً كما كان في الأزمنة الأولى حيث الأرض للجميع والخير موزع بلا احتكار أهو الخوف من الفوضى أم أننا لم نصل بعد إلى مستوى من الوعي يسمح لنا بتقبّل فكرة أن يكون الخير متاحًا دون ثمن
المسألة أعمق من مجرد زراعة أشجار في الشوارع إنها انعكاس لثقافة مجتمعية كاملة حيث يقف الإنسان أمام نفسه ويقرر كيف سيتعامل مع الموارد هل سينظر إليها بعين النقص والجشع أم بعين الوفرة والتكافل في السويد أدرك الناس أن الطبيعة تمنح بكرم فلماذا لا يكونوا مثلها كرماء أدركوا أن الأخذ بقدر الحاجة هو السبيل إلى الاستدامة أما في مجتمعات أخرى فلا تزال الفكرة محاطة بالمخاوف والتساؤلات ماذا لو تم استغلالها بشكل خاطئ ماذا لو تحولت إلى فوضى ماذا لو لم نجد غداً شيئاً نحصد
إنها معادلة معقدة بين الطبيعة والإنسان بين القانون والفطرة بين الحاجة والجشع الإنسان حين يُمنح الحرية إما أن يرتقي بها أو أن يسيء استخدامها وهنا يأتي دور الوعي الجمعي الذي لا يُفرض بالقوانين بل يتشكل عبر التجربة والتعليم والتنشئة حين يفهم الإنسان أن الخير إذا وُزع بعدالة فإنه يكفي الجميع وحين يدرك أن الثمرة التي تُترك للآخر ليست خسارة بل استثمار في مستقبل أكثر عدلاً
إن زراعة أشجار الفاكهة في الشوارع ليست مجرد قرار زراعي بل هي قرار فلسفي يعكس مستوى تطور المجتمع ومدى إيمانه بفكرة الوفرة والتشارك حين نصل إلى تلك المرحلة لن يكون السؤال لماذا لا نزرعها بل كيف لم نفعل ذلك من قبل