لمحة الاخباري _الأديب عدنان قازان
في الوقت الذي تتعرض فيه غزة لأبشع المجازر في تاريخها، يقف الأردنيون قلبًا وقالبًا مع أهلهم هناك، دعمًا ومساندة، قولًا وعملًا، ولم يكن الأردن يومًا متفرجًا أو محايدًا، بل كان – وما زال – السند الصادق، والظهر الصلب، والملاذ الذي لم يتخلف عن واجبه العربي والقومي تجاه فلسطين، لا بالشعارات الرنانة، وأنما بالمواقف الثابتة، والتحركات الفاعلة، والتضحيات الجليلة.
لم يكن موقف الأردن طارئًا ولا لحظيًا، بل هو مسار ممتد منذ الطلقة الأولى، وجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين لم يتوقف يومًا عن حمل أمانة فلسطين في خطبه، ومواقفه، وتحركاته، مؤكدًا في كل مرة أن فلسطين هي قضية وعدالة وهوية.
هذا هو الأردن… لا يزايد ولا يهادن، بل يثبت في الميدان والموقف، حين يتردد الآخرون.
ومع ذلك، يطل علينا بين الحين والآخر من يسعى لتشويه المشهد، وتوظيف الوجع الفلسطيني لخدمة أجندات مشبوهة، من خلال الدعوة إلى إضرابات عامة وعصيان مدني، ظنًا منهم أنهم بذلك ينصرون القضية، وهم في الحقيقة لا يخدمون سوى الفوضى، ولا يوجهون ضربة إلا إلى خاصرة وطنهم.
لأنني أعلم أن الدعوة إلى تعطيل المؤسسات، وضرب الاقتصاد، وإرباك الشارع، لا تخدم غزة، ولا تؤذي الاحتلال، بل تُضعف المواطن الأردني، وتُنهك وطنًا يقف في الصف الأول مناصرة لفلسطين، فالإضراب الذي لا يهز العدو، بل يرهق العامل والطالب وصاحب الرزق، هو إضراب يُوجَّه للداخل لا للخارج، وشتّان ما بين مقاومة تستنزف العدو، وفوضى تستنزف الأهل.
في الوقت الذي نحارب فيه اقتصاديًا ومعيشيًا، لا نملك رفاهية أن نُضعف قوتنا الذاتية، فنحن في معركة وعي ودعم واستمرارية، والاقتصاد الأردني هو أساس الاستقرار، والرافعة التي تمكّننا من الاستمرار في دعم أهلنا في فلسطين، وكل تراجع فيه هو خصم مباشر من قدرتنا على العطاء والمساندة.
الفوضى لا تصنع نصرًا، ولا تقيم عدلًا، ولا تؤسس كرامة، إنما تُفتت الصف، وتخلق ثغرات ينفذ منها المتربصون، في التاريخ الإسلامي، لم تكن الإضرابات وسيلة للمواجهة، بل كان التكافل، الصبر، والبناء، وحتى في زمن عمر بن الخطاب، لم تُوقف أعمال الدولة رغم المجاعة، وأنما وُجّهت كل الطاقات لتجاوز الأزمة، واليوم، المطلوب منا ليس التراجع، بل التماسك والعمل الحكيم.
كل من عاش هذا الوطن يعلم جيدًا أن الإضرابات السابقة، لم تُسقط احتلالًا، ولم تُغيّر واقعًا، بل تركت أثرًا سلبيًا على اقتصادنا، واستُغلت لتأجيج الفوضى وتخريب الإنجاز، ومن يكرر الفشل، لا يبحث عن النصر بل عن التخريب المقصود.
للأسف، هناك فئة جعلت من نصرة فلسطين شماعة لتمرير أجنداتها، هؤلاء إن أثنيت على موقف الدولة، سموك “سحيج”، وإن امتدحت أجهزتك الأمنية، اتهموك بالتكسب، يعتبرون الوطنية أن تكون ضد الدولة، والكرامة أن تشتم من يخالفك، يبررون الولاء لإيران وتابعها، لكن يعتبرون الولاء للملك كفرًا، شتموا القيم، وضللوا الشباب، وسكروا بكؤوس الفوقية والحقد، وصاروا يتنقلون بين السفارات، يتقاضون ويخونون.
نقولها بملء الصوت: نحن مع غزة ولكننا نرفض أن يُضرب اقتصادنا، نحن مع فلسطين ولكننا لن نخرب بيتنا، نحن مع المقاومة ولكننا ضد المتاجرة، وأي دعوة للإضراب الآن، ليست سوى عبثية شعبوية مدمّرة، يُراد بها زعزعة الاستقرار لا نصرة القضية.
ماذا نفعل؟ هذه خياراتنا:
1. قاطع بوعي: قاطع منتجات الاحتلال وداعميه، وادعم البدائل الأردنية والعربية.
2. تبرّع بصدق: عبر القنوات الرسمية التي تصل إلى الميدان ولا تذهب للجيوب.
3. انشر الوعي: واجه الحملات الإعلامية المضللة، بالكلمة الصادقة والموقف المتزن.
4. احمِ وطنك: فالأردن القوي هو الحامي الحقيقي لفلسطين، ولا نريد أن نخسره.
في النهاية…
الأردن واحة وسط صحراء ملتهبة، يقودها ملك هاشمي حكيم، جعل من فلسطين قضيته، ومن القدس أمانته، ومن الدفاع عن غزة واجبًا أخلاقيًا وسياسيًا.
الأردنيون يعرفون أن الوطن خط أحمر، وأن الفزعة لغزة لا تكون بهدم الداخل، بل ببناء ما يعزز الموقف ويضمن الاستمرار.
حمى الله الأردن قيادةً وشعبًا،
وحمى فلسطين من كل غدر،
وجعلنا في خندق الوعي لا في وحل الفوضى.