المحامي الدكتور هيثم عريفج
في منطقة تتسارع فيها وتيرة الفوضى والتطرف، وتُستباح فيها القوانين الدولية قبل الوطنية باسم الأمن، يظل الأردن نموذجاً فريداً لوطنٍ يُحتكم فيه إلى سيادة القانون، وتُصان فيه كرامة الإنسان. فقد أثبتت الأجهزة الأمنية الأردنية البطلة مرةً أخرى احترافيتها ويقظتها العالية، عندما تعاملت مع الخلايا الإرهابية بكل صبر وحكمة ومهارة، عبر المراقبة الدقيقة، وجمع الأدلة، وتحويل المتهمين إلى القضاء العادل، الذي يُشكّل الضمانة الأولى للعدالة وحماية الحقوق.
الأردن، ومنذ تأسيسه، لم يكن دولة قمع أو انتقام، بل دولة مؤسسات وقانون. ما يميز تعامل الدولة مع القضايا الأمنية هو هذا التوازن الواعي بين حماية الأمن الوطني، وضمان حقوق الأفراد. فجيشنا العربي وأجهزتنا الأمنية لا يسهرون فقط على حماية حدودنا، بل على صون كرامة المواطن، وتمكينه من ممارسة حقوقه كاملة، حتى في أقسى الظروف وأكثرها حساسية.
ويُعد احترام حق الدفاع حجر الزاوية في المنظومة العدلية الأردنية، حيث تُمنح لكل متهم فرصة الدفاع عن نفسه ضمن إطار قانوني واضح، يضمن العدالة ويحمي من التعسف. هذه المبادئ ليست مجرد نصوص دستورية، بل ممارسة يومية تعكس مدى التزام الدولة الأردنية بالقانون كمرجعية عليا، لا يمكن تجاوزها أو التلاعب بها.
إن ما حدث من محاولة للمساس بأمن الوطن لن يؤثر على مستقبل الأردن أو مسيرة التحديث، ولا على ثقة الأردنيين بمؤسسات دولتهم، بل يجب أن يكون حافزاً لتثبيت مسار الإصلاح السياسي، وتأكيد أن محاربة الإرهاب والتطرف لا تتناقض مع بناء مجتمع ديمقراطي متماسك. بل على العكس، فإن مواجهة الفكر الظلامي تتطلب بيئة سياسية ناضجة، تشجع على الحوار، وتفرز قيادات وطنية مسؤولة.
إننا بالقانون، وبالاستمرار في نهج التحديث، نحارب الفكر الظلامي الذي يحاول أن يتهم الأردن زوراً بالقمع أو غياب الديمقراطية. لكن الرد الأردني يأتي احترافياً وراسخاً، يعكس واقعاً مؤسسياً يؤمن بالعدالة وحقوق الإنسان، ويؤكد أن تلك الاتهامات لا تهدف إلا للإساءة، وتبرير أفعال خارجة عن القانون تستهدف الوطن وأمنه واستقراره.
وهنا يأتي دور الأحزاب السياسية، التي يجب أن تنهض بمسؤولياتها، من خلال تقديم برامج واضحة ومشاريع وطنية تقنع الشارع، بعيداً عن الخطابات المكررة والوجوه المستهلكة، وأن تكون الكفّة الأخرى في ميزان الوطن. نحتاج اليوم إلى وجوه جديدة، تحمل رؤية حقيقية لبناء المستقبل، تضع الوطن أولاً، وتدرك أن الديمقراطية لا تكتمل إلا إذا اقترنت بالأمن، وأن الأمن لا يدوم إلا إذا تعززت أركانه بالعدالة والحرية.