د. عبدالله مروان الزعبيّ
- منذ سنواتٍ قليلةٍ مضت، أبدت الدولة الأردنية بمكوناتها، رغبةً جديّة في تحديث الحياة السياسية في البلاد؛ لِما كان من تحدياتٍ كثيرة في السنوات الماضية، والتي كشفت عن خللٍ في العملية السياسية، استطاعت الدولة الأردنية بمكوناتها تجاوز هذه التحديات بأقل الخسائر والأثمان، ومن ثم جاءت فكرة “اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية”، وقد ذهب كُلٌّ تيارٍ بما لديه، فمنهم من تحمس لهذه الفكرة بوصفها أداة شاملة للإصلاح، ومنهم من رفضها سرًّا أو علانية، لأنها ستتخلى عن الطريقة الكلاسكية للعمل السياسي وبالتالي ستتأثر مصالحه بطريقة أو بأخرى، وآخرون تخوفوا منها، ومنهم من رفضها لأنها برأيه لا تحدث أي تغيير، وهنالك فئة عرفت أن هذا المشروع ليس مثاليًا ولكن هو مشروع واعد ويجب تأييده وأنه من الطبيعي أن تظهر بعض المشاكل في مُخرجات هذه اللجنة مع الوقت، وبرأيي أن بعض هذه المشاكل قد بدأت ملامحها بالظهور..
في حديثٍ لجلالة الملك في لقاءٍ له مع المتقاعدين العسكريين في السابع عشر من شباط، وبعد أيام من لقاء جلالة الملك مع الرئيس الأمريكي.. أشار الملك أن هناك فئات في الأردن تتلقى توجيهات وأوامر من الخارج، وهذا أمرٌ يجب التوقف عنده؛ ماذا لو أصبح لهؤلاء نفوذ سياسي، وعملوا على إستغلال الأنظمة والقوانين الجديدة للعمل الحزبي والسياسي بما يخدم مصالحهم غير الوطنية ؟!
لا أعرف، إن كان هؤلاء يعملون بشكلٍ فرديّ أو منظم، لكن بكلتا الحالتين، لا يجب أن تُترك لهم ثغرات قانونية، بحيث تكون سلوكياتهم بظاهرها قانونية ووفق الأنظمة والتعليمات، ولكنها تملك أجندة سياسية غير وطنية.
ربما التمهل والتروي وترتيب الثقافة السياسية العامة مهم جدًا قبل الذهاب لنطاقٍ واسعٍ من العمل الحزبي، وقبل الوصول للحكومات البرلمانية.. ولطالما أتخذت الدولة الأردنية التدرج كمنهج لها.. فالوصول لحالة عامة من الوعيّ السياسيّ الوطنيّ ، لن يترك مجالاً لكل من يملك أجندة غير وطنية أن يكون فاعلاً في الساحة الأردنية..
ومن الإشكالات الملاحظة أن بعض الأحزاب أخذت طابِعًا شخصيًا، أكثر من كونها أحزاب مؤسسية وبرامجية.. وهذا الشكل من العمل الحزبيّ لو تكاثر، فلن يزيد الأمر إلّا سوءًا وإحباطًا..
وقد تظهر بعض الإشكالات تِباعًا، وهذا أمر طبيعي جدًا، ومن المفترض أن يتم إعادة النظر فيها، وتقويمها..
بشكل عام، أرى أن هناك أهمية كبيرة لدراسة أي أنظمة أو تعلميات أو قوانين جديدة ناظمة للعمل الحزبي والسياسي بعد بدء العمل عليها، ثم قياس الفوائد والمخاطر بعد تجربتها على أرض الواقع بمنهجية متكاملة، ربما من خلال لجان رسمية مهمتها المتابعة والإستقصاء.. ثم إعادة التوازنات إذا ظهر أي خلل ولو كان بسيطاً..
الكلام أعلاه لا ينفي أن هنالك مواضع نجاح كثيرة، حققتها اللجنة الملكية، ولا ينفي أن مسار التحديث السياسي سار للأمام في كثيرٍ من المواضع.
وهنا أنا لا أدعو للتراجع عن فكرة التحديث السياسيّ، أو ترك مخرجات اللجنة الملكية، إنما أدعو لدراسة نتائجها على الأرض، لنحدد أين نجحنا، وأين فشلنا.. ومن ثم ندرس مواضع الفشل، ونعيد صياغة الحالة لتصبح نجاحًا..
وفي النهاية، صحيح أنه لا بُد من الإسراع في الإصلاحات السياسية، ولكن بشرط أن لا يكون ذلك بالمراهنة على الإستقرار السياسي للدولة..
استقرار البلاد مُقدَّم على أي شيء..