قد يُعدّ قرار اليوم و المتمثل بتنفيذ حظر ما يُعرف بجماعة الإخوان المسلمين في الأردن مفاجئا للبعض، خاصة بالنظر إلى تاريخ الدولة الطويل في التسامح مع هذه الجماعة ونشاطاتها، إلا أنه في نظر آخرين قرار متأخر كان ينبغي اتخاذه منذ عقود.
فالجماعة، كما هو معروف، تنظيم غير أردني الأصل، أسسه حسن البنا في مصر عام 1928، وتقوم أدبياتها السياسية على إحياء ما يُسمى بدولة الخلافة، التي ترى الجماعة، وسائر جماعات الإسلام السياسي السنية، أنها بدأت بالخليفة الأول لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، واستمرت حتى قيام كمال أتاتورك بحلها عام 1924.
إلا أن في هذا الطرح مغالطات تاريخية عديدة، أبرزها أن لقب “الخليفة” أُطلق أولاً على أبي بكر الصديق بصفته خليفة رسول الله، ثم حمل بعض قادة الدول الإسلامية بعده لقب “أمير المؤمنين”، بدءًا من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن بعده خلفاء بني أمية وبني العباس، إلى أن أعاد سلاطين الدولة العثمانية استخدام لقب “الخليفة” إلى حين هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى وانهيار دولتهم.
من هذا المنطلق، رفضت الجماعة الاعتراف بالدولة القُطرية وحدودها، واعتبرت استقلال الدول الإسلامية وسيادتها الوطنية حالة من التفكك، ونتاجاً لمؤامرة غربية تستهدف الإسلام والمسلمين، وعلى الرغم من خطابها الظاهري المتصالح مع الدول الوطنية، فإنها في جوهرها كانت تؤمن بما تسميه “الدولة الإسلامية الجامعة”، التي لا توجد إلا في كتب التاريخ وخيال أعضائها.
لذا، قدّمت الجماعة ولاءها للمرشد العام، باعتباره “خليفة المسلمين”، على ولائها للدولة القُطرية، جغرافياً ونظاماً، واعتبرت البيعة له شرط أساسي للانضمام إليها، واضعة في صميم أدبياتها السياسية مقولة: “من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية”، وقد نصت بيعة الجماعة على السمع والطاعة للمرشد في المنشط والمكره، دون اعتبار لرأس الدولة أو حكومتها، التي كانت توصف بالظالمة، فيما نُظر إلى أجهزة الأمن كأعوان للظالمين.
وانطلاقاً من هذا الفكر، لم تعترف الجماعة المُنحلّة بشرعية الدولة القُطريّة التي تحتضنها، ورأتها مجرد بقعة تابعة للدولة الإسلامية المتخيّلة، ورفضت بناء على ذلك الالتزام بالأولويات الوطنية أو المصالح العامة، بذريعة رؤيتها الشمولية للأمة الإسلامية ودولتها المرجُوّة.
هنا يتضح التباين الحاد بين المصلحة الوطنية، التي تقررها الدولة القُطريّة استناداً إلى خبراتها واحتكاكها بالعالم، وبين ما تراه الجماعة “الصحيح” من منظور فكري ونظري وتاريخي قابل للتأويل والاختلاف.
لذلك، أؤكد أن قرار حل الجماعة جاء متأخر جداً، إذ كيف لدولة أن تتعايش مع فكر يضرب في أساس شرعيتها، ويرفض الانصياع لقوانينها؟ وإن دلّ ذلك على شيء، فإنما يدل على سعة صدر الدولة الأردنية، ورغبتها المتكررة في الاحتواء، وتقديمها فرص العودة إلى جادة الصواب بدلاً من الصّدام، في مقابل تعنت الجماعة وإصرارها على التمسك بمنهج مؤسسها، على حساب الوطن وأبنائه، ظناً منها بأن طريقها هو وحده طريق الحق، وما سواه، بما في ذلك طريق الوطن، ضلال مبين!
إنني وإذ أُشيد بقرار الحكومة حل الجماعة، وأدعو إلى تطبيقه بحزم، فليونة الدولة أوهمت الجماعة بأنها أقوى منها، وحِلمها أغراها بالاستقواء عليها، كما أدعو إلى حل ذراع الجماعة السياسية (قضائيا)، المتمثل فيما يُعرف بـ”جبهة العمل الإسلامي”، التي لا تختلف في أدبياتها عن الجماعة الأم، إذ تستغل أدوات الديمقراطية لتحقيق أجندة تتصادم كلياً مع مصلحة الوطن واستقراره، فالديمقراطية لديها ليست غاية بل وسيلة للتمكين، تمهيداً للانقضاض عليها، وإقامة ما تسميه بدولة الخلافة، في محاولة عبثية لاستعادة مسار تاريخي تجاوزه الزمن منذ أكثر من 1400 عام.