لمحة الإخباري _بقلم:حسين الأسدي
في زمنٍ أصبحت فيه الأقنعة أكثر من الوجوه، والمظاهر أغلى من المبادئ، يبرز نموذج مؤلم يتكرّر كثيرًا: الرجل الكذّاب الذي لا يحترف إلا التزييف، ويجيد التلاعب بمشاعر الناس وعقولهم، مستغلًا حاجتهم وثقتهم، ليُراكم لنفسه مكاسب زائفة على حساب كراماتهم.
هو ليس مجرد كاذب، بل صاحب مشروع خداع متكامل، يبدأه بكلمات معسولة ووعود براقة، ثم ينتهي بغياب تام عند أول استحقاق أو مساءلة. يُظهر الكرم والطيبة، لكنه في داخله لا يعرف للعدالة معنى، ولا يعترف للآخرين بأي حق.
هذا النموذج يُتقن لعبة التأجيل والمماطلة، يُسلّح نفسه بالأعذار المصطنعة، ويبرع في اختلاق الظروف التي تبرر هروبه من الوفاء بالحقوق. يبرمج نفسه على التهرب، ويُلبس خيانته ثوب الذكاء، ناسياً أو متناسياً أن ظلم الناس لا يُمحى بالتذاكي، وأن المظلوم حين يرفع دعوته للسماء، فإن الله لا يُغلق بابه.
إن أكل حقوق الناس، سواء كانت أجورًا مستحقة، أو خدمات مقدّمة، أو جهودًا بذلها آخرون، ليس فقط خيانة أخلاقية، بل هو انهيار لقيم العدالة والإنسانية. وما أشدّ وقع الخيانة حين تأتي من شخصٍ وثقت به، وتوسّمت فيه الخير، ثم وجدت فيه ذئبًا في جلد حمل.
النبي محمد ﷺ حسم الأمر بقوله: “أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه”.في هذا الحديث البسيط تتجلّى كل معاني العدل والرحمة. فكيف بمن لم يكتفِ بحجب الأجر، بل سرق العرق والكرامة معًا؟!
هؤلاء لا يسرقون المال فقط، بل يسرقون الإحساس بالأمان، ويقوضون ثقة الناس ببعضهم البعض. الكذب والخداع وأكل الحقوق ليست مجرد سلوكيات فردية، بل هي جرائم اجتماعية تهدم المجتمع من الداخل، وتنشر الخوف والتوجس وتقتل روح المبادرة والعطاء.
ومن يظن أن المال الحرام يدوم، أو أن الظلم يمرّ بلا حساب، فهو واهم. فإن الحقوق لا تضيع، وإن طال الزمن، والله عز وجل قال في محكم كتابه: “ولا تحسبن الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون”.
إننا بحاجة اليوم إلى وقفة صادقة، لا فقط لكشف هؤلاء، بل لنبذ ثقافة الصمت عن الظلم، ولرفع الوعي بقيمة الأمانة والعدل، ولتمكين كل مظلوم من استرداد حقه مهما طال الزمن.
فليُدرك هؤلاء أن القناع وإن طال ارتداؤه، لا بد أن يسقط يومًا. وساعتها، لن ينفع التبرير، ولن يُجدي الندم.
–