لمحة الاخباري _ديما الفاعوري
بعد الأحداث التي شهدها الأردن مؤخرًا كان لا بد لنا من تصفح تجارب حظر جماعة الإخوان المسلمين في عدد من الدول حول العالم والتعرف على مدى الضرورة الملحة لاتخاذ إجراءات حاسمة تحمِي الأمن الوطني وتصبّ في تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي، ففي مصر، بعد أن نجحت الجماعة في اختراق مؤسسات الدولة واستخدام العنف السياسي خلال عام حكمه الرئيس المنتمي إليها، أصدرت السلطات قرارًا في ديسمبر 2013 باعتبار التنظيم «منظمة إرهابية» وحظرت نشاطه تمامًا، مما مكّن القاهرة من استعادة سيادتها على مفاصل الدولة وأوقف دوامة العنف التي كادت تسحق أي أفق للتوافق الوطني.
وفي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تبنّت الحكومتان في أعقاب أحداث 2013 سياسة أمنية صارمة تجاه الجماعة، إدراكًا لخطر الأيديولوجيا المتطرفة التي تسعى عبر قنوات سرية إلى تقسيم الولاءات الوطنية وتجنيد العناصر المسلّحة. وأسهمت تلك الإجراءات في إحباط مخططات سعت إلى زعزعة اللحمة الاجتماعية، وحمت مجتمعاتٍ بكامل مؤسساتها من أخطار التنظيم، سواء على المستوى الفكري أو في الشقّ العملياتي.
ولم تقتصر التجربة على المنطقة العربية؛ ففي يوليو (تموز) 2021، لفّت النمسا بتحركها التاريخي عناوين الصحف حين صُنّفت جماعة الإخوان رسميًا ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية في قانون مكافحة الإرهاب، انطلاقًا من تقييمٍ لحجم الخروقات التي تسبب بها الفكر الإخواني للمجتمعات الأوروبية، سواء من خلال دعوات العنف أو المساعي المبطنة لتقويض الديمقراطية.
لقد أفضت هذه التجارب إلى دروسٍ ثابتة مفادها أن التهاون مع تنظيم يبني شبكاته على الولاءات العابرة للحدود ويعتمد على استقطاب الأفراد تحت الظلال، ليس سوى رصاصةٍ في قلب مسيرة البناء والتنمية. فقد ظهر جليًا كيف أضعفت خلايا الجماعة المؤمنة بتشريع الاستثناء بالعنف مؤسسات الأمن وأحدثت شرخًا في نسيج الثقة بين أبناء الوطن الواحد، قبل أن تكتشف دولٌ بأكملها أن سُبل الإصلاح السياسي والاقتصادي لا تُنجز بالعصا الغليظة فحسب، بل باليقظة الدائمة لصدّ مَن يراهن على الفتنة والفرقة.
وفي الأردن، حيث أقدمت الحكومة مؤخرًا على إلغاء صفة الشرعية عن جماعة الإخوان وحظرت نشاطها، عبر نواب وأحزاب سياسية ومكونات شعبية عن دعمٍ كامل لهذه الخطوة التي جاءت تتويجًا للجهود الأمنية والاستعلامية الحثيثة في كشف وتمزيق الخلايا التخريبية قبل تمرير مخططاتها، حيث عول الأردن وعي المواطن الراسخ بمخاطر الإخوان وممارساتهم التخريبية لا يقل أهمية عن الإجراءات الرسمية، فقد أثبتت استطلاعات الرأي وتفاعل الشارع مع تطورات هذا الملف مدى تحمّله للمسؤولية الوطنية وانتمائه العميق لتراب وطنه.
ولا شك أن دور العشائر الأردنية كان ولا يزال ركيزة أساسية في منظومة الحفاظ على الأمن؛ فقد اعتادت العشائر، عبر أطرها القبلية وقياداتها الميدانية، أن تكون العين الساهرة التي ترشد أجهزة الأمن إلى أي نشاطٍ مريب، انطلاقًا من تقاليد حماية الأرض والعرض ونصرة الحق، وحب الوطن وروح الإنتماء، إلى جانب ذلك، لم تتوانَ الأجهزة الأمنية والاستخباراتية عن استثمار خبرتها الطويلة في إحباط عمليات تصنيع المتفجرات وتجنيد العناصر، وإغلاق المقرات السرية التي كانت تُعدٌّ لصنع الخراب. إن استلهام الدروس من تجارب مصر والسعودية والإمارات والنمسا وغيرها، والاستفادة منها في وضع حدّ نهائي لجماعة الإخوان داخل الأردن، يُمثّل خطوة استراتيجية في طريق ترسيخ سيادة القانون ومنع إدخال بنية المجتمع في دوامة العنف السياسي. فالولاء للوطن والانتماء إليه هما الحصن الأول والأخير في مواجهة أي تنظيم يسعى للاعتداء على وحدة الصف وإخراج الدولة من دائرة الإصلاح والبناء.. حمى الله الأردن من كل مكروه ..