لمحة الاخباري _د. ماجد الخواجا
هناك كثير من المفاهيم المتعارف عليها عالميا والتي تنعكس محلياً، باتت مشوهة وغير واضحة نتيجة إعادة التعريف لها كما يريد البعض أو يروق لأمزجتهم وغاياتهم المريبة، ولو أردنا حصر المفاهيم التي تم تحريفها في مرحلة الهاشتاجات واللايفات والتريندات، لتطلب منا ذلك تحبير أوراق عديدة، لكن سنكتفي بإيراد عديد من المفاهيم الدارجة وكيف تم التلاعب بها لغايات خبيثة، من تلك المفاهيم: «المواطنة والوطنية والجنسية والولاء والانتماء والهوية» .
المواطنة هي « أكثر أشكال العضوية اكتمالا في جماعة سياسية ما « فالمواطنة Citizenship هي صفة المواطن والتي تحدد حقوقه وواجباته الوطنية ويعرف الفرد حقوقه ويؤدي واجباته عن طريق التربية الوطنية، وتتميز المواطنة بنوع خاص من ولاء المواطن لوطنه وخدمته في أوقات السلم والحرب والتعاون مع المواطنين الآخرين عن طريق العمل المؤسساتي والفردي الرسمي والتطوعي في تحقيق الأهداف التي يصبو لها الجميع وتوحد من أجلها الجهود. هي جملة من القيم المعيارية تمثل حق الإنسان في الحياة الآمنة الكريمة وفي العدالة والمساواة في الحقوق الاجتماعية لكل فرد في المجتمع بصرف النظر عن جنسه أو دينه أو مذهبه،وكذا حقه في التعبير عن رأيه وانتخاب من بمتله على قمة السلطة السياسية في وطنه.
أما الوطنية فهي تأتي بمعنى حب الوطن Patriotism وتشير الى مشاعر الحب والارتباط بالوطن وما ينبثق عنها من استجابات عاطفية، التعبير الصادق عن الانتماء للوطن بالقول والعمل، والإسهام الفعال في الدفاع عن الوطن ضد أية تحديات خارجية، والإسهام في تقدمه ورفعته وإعلاء شأنه بين الأوطان. وعليه فأن مقياس الوطنية هو مقدار الرصيد الوطني الذي يسجله كل مواطن من أجل الوطن.
مفهوم الانتماء إلى الانتساب لكيان ما يكون الفرد متوحداً معه مندمجاً فيه، باعتباره عضواً مقبولاً وله شرف الانتساب إليه، ويشعر بالأمان فيه، وقد يكون هذا الكيان جماعة، طبقة، وطن، وهذا يعني تداخل الولاء مع الانتماء والذي يعبر الفرد من خلاله عن مشاعره تجاه الكيان الذي ينتمي إليه .
الانتماء الحقيقي : يكون فيه لدى الفرد وعي حقيقي لأبعاد الموقف، والظروف المحيطة بوطنه داخلياً وخارجياً، ويكون مدركاً لمشكلات وقضايا وطنه، وقادراً على معرفة أسبابها الحقيقية وطبيعة هذه المشكلات، وموقفه منها، والاكتراث بآرائها ونتائجها، ويكون المنتمي هنا مع الأغلبية ويعمل لصالحها، ويؤمن بأن مصلحة الأغلبية والعمل من أجل الصالح العام وسلامة المجتمع ونموه وتطوره، هو الهدف الذي يجب أن يسمو على الفردية والأنانية.
الانتماء الزائف :هو ذاك الانتماء المبني على وعي زائف، بفعل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي قد تشوه حقيقة الواقع في عقول المواطنين، وبالتالي قد تصبح رؤيتهم للأمور والمواقف غير حقيقية وغير معبرة عن الواقع الفعلي.
الانتماء لفئة بعينها :هنا يعمل الفرد على مصالح الفئة التي ينتمي إليها دون سواها من الفئات داخل المجتمع الواحد، وبالرغم من أن وعيه بها وعي حقيقي وانتماءه لها انتماء حقيقي، إلا أنه قياساً على انتمائه للمجتمع ككل فهو وعي غير حقيقي وانتماء غير حقيقي، لأنه يعمل وينتمي لجزء من الكل فقط، فلا يعي ولا يدرك ولا يعمل إلا لصالح هذا الجزء، ويترتب على ذلك آثار وخيمة من تفتيت لبنية المجتمع وربما كان سببا لوجود الصراع بين فئاته، ويزداد حدةً كلما ازدادت الهوة بين هذه الفئات والمحصلة النهائية تدهور المجتمع وتفككه.
الولاء للوطن أن الرابطة التي تجمع المواطن بوطنه تسمو عن العلاقات القبلية والعشائرية والحزبية، ولا خضوع فيها إلا لسيادة القانون، وأن هذه الرابطة لا تنحصر في مجرد الشعور بالانتماء وما يطبع ذلك من عواطف، وإنما تتجلى إلى جانب الارتباط الوجداني، في إدراك واعتقاد المواطن بأن هناك التزامات وواجبات نحو الوطن لا تتحقق المواطنة دون التقيد الطوعي بها.
تلك هي المفاهيم وتعريفاتها العلمية الصحيحة التي مع لزوجة وميوعة المراحل في عصر المعلوماتية والثورة الصناعية الرابعة والتطور الهائل في الذكاء الاصطناعي، فقد تموهت وانحرفت لتخدم غايات أبعد ما تكون عن المصلحة العليا والعامة للوطن وللإنسان كقيمة بذاته. ولنا عودة.