أرقام مهمّة نقلها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، تتحدّث عن رأي الفلسطينيين بحرب غزّة وتأييدهم لحركة “حماس”، عشية الذكرى السنوية الأولى لهجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر). واللافت في هذه الأرقام وما يجب التوقف عنده هو تراجع نسبة التأييد لـ”حماس” وتراجع ثقة المستطلَعين بقدرتها على “الانتصار” ضد إسرائيل، وزيادة في عدد من يرون أن قرار إطلاق عملية “طوفان الأقصى” لم يكن “صائباً”.
من منظور سياسي اجتماعي، يبدو التراجع مفهوماً. مع بداية الحرب، كانت نسب التأييد مرتفعة كون الظروف الإنسانية كانت أفضل مقارنةً بما هو عليه الحال اليوم، وكون الفلسطينيين يميلون إلى فكرة العمل المسلّح ضد إسرائيل، لكن مع تفاقم المعاناة الإنسانية وارتفاع عدد الضحايا وإحكام الحصار، بدأت هذه الأرقام تتبدّل بشكل ملحوظ.
الاستطلاع الذي شمل قطاع غزّة والضفة الغربية لا يُشير فقط إلى أن نسبة التأييد لعملية “طوفان الأقصى” تراجعت بشكل عام، بل يلفت إلى أن غزّة شهدت نسبة التراجع الأعلى. وقد بلغت نسبة التأييد 39 في المئة في أيلول (سبتمبر) 2024 مقارنةً بـ57 في المئة في كانون الأول (ديسمبر) 2023، وهذه الأرقام تأثّرت بتفاقم الأزمة الإنسانية وطول أمد الحرب.
بلغة الأرقام، فإن نسبة تأييد الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزّة لعملية “طوفان الأقصى” تراجعت من 72 في المئة في كانون الأول 2023 إلى 54 في المئة في أيلول، وفي حين هبطت نسبة التأييد في غزّة إلى 39 في المئة، فإن النسبة في الضفة الغربية لا تزال أعلى رغم تراجعها من 82 في المئة إلى 64 في المئة، وقد يكون سبب ذلك الأزمة الإنسانية التي هي أقل حدّة في الضفة مقارنة بغزّة.
ووفق صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، فإن نسب التأييد لـ”حماس” وعمليتها هي أعلى في الضفة الغربية لجملة من الأسباب، منها “الهدوء النسبي” الذي يُسيطر على المنطقة مقارنةً بغزّة، وثانياً “الوجود العسكري الإسرائيلي الطويل الأمد في الضفة الغربية” يجعل تحرّك الفصائل الفلسطينية “أخف وطأة من غزة”، وبالتالي فإن عمليات إسرائيل “أقل ضرراً”، ما يدفع بفلسطينيي الضفة إلى تأييد “حماس” كونهم لا يختبرون معاناة القطاع.
هذا التراجع الكبير بتأييد “طوفان الأقصى” في غزّة يترافق مع إحباط يعاني منه الغزّيون، إذ أن 28 في المئة فقط منهم يعتبرون أن “حماس” سوف “تنتصر” في الحرب، مقابل 25 في المئة يرون أن إسرائيل سوف تحسم عسكرياً، في حين يقول 45 في المئة منهم “لا أحد” سوف يربح، مقارنة بنسبة 50 في المئة كانت تعتبر أن “حماس” سوف “تنتصر” في كانون الأول الماضي.
الرضا عن “حماس” يتراجع أيضاً وفق الدراسة، وفي حين كانت نسبة 72 في المئة من الفلسطينيين راضية عن الحركة في كانون الأول الماضي، فإن هذه النسبة صارت 61 في المئة، والمفاجأة كانت في تفاصيل الرقم الأخير، إذ إن نسبة 39 في المئة فقط من سكّان غزّة راضية عن “حماس”، في حين ترتفع النسبة إلى 75 في المئة بالضفة الغربية.
مسؤول وحدة البحوث المسحية في المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية وليد لدادوة يُشبّه هذا الإحصاء بإحصاءات سابقة، ويقول لـ”النهار” إنه كما حصل خلال استطلاعات سابقة، “يرتفع منسوب التأييد لـحماس مع بداية الحرب لكنه يبدأ بالتراجع مع الوقت، وذلك بسبب استمرار تدهور الأوضاع وتراجع الأمل المعقود على إنجاز صفقة وقف إطلاق النار، وتراجع زخم إنجازات المقاومة مقارنة ببداية الحرب”.
وتذكر “وول ستريت جورنال” بعض المعطيات التي قد تؤدي دوراً في تبدّل المزاج الفلسطيني، وتقول إن “غزّة تحوّلت إلى حطام، وأصبحت “حماس” مجرد هيكل. وتشير تقديرات التحليل التي أجراها مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة في شهر تموز إلى أن أكثر من مئة ألف مبنى في غزة تضررت، بما في ذلك 46 ألف مبنى دمر بالكامل”.