زاد تعلق البشر بالهواتف النقالة في العقود الأخيرة بشكل سريع ووصل مستويات فاقت حد التصور حتى أن البعض لا يستطيع مفارقة هاتفه الذكي النقال الذي يربطه بالآخرين وبالعالم ولا للحظة.
اللافت أن هذا التعلق بالهواتف الذكية بلغ حد الرغبة في أن ترافق الهواتف النقالة الذكية أصحابها إلى العالم الآخر. ظاهرة دفن الهواتف النقالة مع أصحابها انتشرت في عدة مناطق في العالم وزادت بشكل ملحوظ.مركز أبحاث مختبر المستقبل في لندن، ذكر أن عدد الأشخاص الذين يرتبون لدفن هواتفهم المحمولة معهم آخذ في الارتفاع، مشيرا إلى أنه ” يبدو أن الجميع تحت سن الأربعين الذي يموتون يأخذون هواتفهم المحمولة معهم”.
هذه الظاهرة تزدهر في إيرلندا البلد الذي يستعمل أكثر من 94 بالمئة من سكانها هواتف محمولة. لا أحد يعد أهله وأحبته بمكالمة من العالم الآخر، ولكن البعض ضمنيا يتحوط لمثل هذا الأمر المستحيل. في إيرلندا يوصي البعض بأن تدفن معه أيضا سجائره وأعواد الثقاب أو الدمى المحبوبة.تجري مثل هذه الطقوس في الولايات المتحدة. في ولاية ساوث كارولينا يضع أقارب المتوفي خفية في سترته قبل حرق الجثة، هاتفه المحمول. هذه الظاهرة انكشفت نتيجة لسماع صوت فرقعة ناتجة عن انفجار بطاريات الهواتف المحمولة. وكالات دفن توفر لزبائنها خدمة تتمثل في وضع هواتفهم النقالة في جرة مع الرماد. هذا ليس كل شيء. رغم غرابة الظاهرة بالنسبة للبعض إلا أنها تعكس أمرا واحدا أبديا يتمثل في تعلق الإنسان بالحياة. رنين الهاتف المحمول بالنغمات المفضلة ربما يراه مثل هؤلاء المتعلقين جدا بأجهزتهم، بمثابة أمل في جرس منبه يوقظ صاحبه في حياة أخرى.
تعلق الإنسان المعاصر بهاتفه الذي بات أكثر من مجرد وسيلة اتصال، أصبح بمثابة “البصمة” الحضارية لعصرنا، وهو يعكس طبيعة الحياة اليومية المعاصرة التي تدور حول هذا الجهاز في كل شيء تقريبا.الهواتف النقالة الذكية أصبحت تغني عن أجهزة التلفزيون وعن الصحف والمجلات الورقية وعن ارتياد أماكن التسوق وتغني البعض حتى عن أماكن للعمل، وهي “نافذة” مفتوحة يرى منها الشخص العالم بشكل مباشر ومن خلالها يرتبط بالآخرين ويقيم علاقات مع أناس في اقصى الأرض. الهواتف المحملة بذلك مثل البلورة السحرية.ما يمكن وصفها بـ”موضة” دفن الهواتف المحمولة مع أصحابها، بدأت من جنوب إفريقيا وكان أول شخص حمل هاتفه المحمول معه إلى القبر، من سكان كيب تاون. الرجل كان يؤمن بالقوى الخارقة وكان مرتعبا جدا أن يتم تنويمه بواسطة التعويذ والسحر وأن يدفن بعد ذلك حيا، ولذلك طلب أن يدفن هاتفه معه حتى يتمكن بالاتصال وطلب النجدة، إذا ما استيقظ في ظلمة قبره.