لمحة الاخباري _بقلم حلا فرحان
تُعتبر التكنولوجيا اليوم من أكثر العوامل التي تؤثر على حياة البشر في كل جوانبها، فهي جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان اليومية. منذ ظهور الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة، وحتى ثورة الذكاء الاصطناعي وتطبيقات الهواتف الذكية، أصبح الإنسان يعتمد على التكنولوجيا في التعليم والعمل، وحتى الترفيه والتسوق. ومع ذلك، فإن للتكنولوجيا جوانب إيجابية وسلبية على حد سواء، مما يطرح تساؤلًا هامًا: هل هذا التأثير الكاسح للتكنولوجيا على المجتمع هو ظاهرة إيجابية مطلقة، أم أن هناك جوانب سلبية ينبغي أن نعيها؟—**أولاً: التكنولوجيا في التعليم**التعليم هو أحد المجالات التي تأثرت بشكل كبير بالتكنولوجيا. فقد غيرت التكنولوجيا من طريقة التعلم التقليدية إلى نمط أكثر تفاعلاً ومرونة. باستخدام الإنترنت، يمكن للطلاب الوصول إلى موارد تعليمية غنية ومتنوعة، من الكتب والمقالات إلى الدروس المصورة. كما أن أدوات مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز أصبحت تُستخدم في التعليم لتمكين الطلاب من التفاعل مع المواد التعليمية بطرق لم تكن ممكنة من قبل.التعليم عن بُعد، الذي أصبح شائعًا خاصةً بعد جائحة كوفيد-19، مكّن الطلاب من الاستمرار في تعليمهم دون الحاجة إلى التواجد الفعلي في الفصول الدراسية. وقد ساعدت المنصات التعليمية على الإنترنت مثل “Coursera” و”edX” و”Udemy” في توفير دروس ودورات تعليمية من أفضل الجامعات والمدرسين حول العالم، مما أتاح للمتعلمين إمكانية تحسين مهاراتهم والوصول إلى فرص تعليمية متنوعة.ورغم هذه الفوائد، تبرز بعض التحديات المرتبطة باستخدام التكنولوجيا في التعليم، منها الاعتماد الزائد على الإنترنت، الذي قد يُضعف مهارات التواصل الواقعي ويعزز العزلة. كذلك، يؤدي كثرة الاستخدام إلى تشتت الانتباه، ويصعب على بعض الطلاب التركيز في بيئة رقمية تتعدد فيها مصادر التشتيت، مثل وسائل التواصل الاجتماعي والإشعارات المستمرة.—**ثانيًا: التكنولوجيا والحياة الاجتماعية**تُعتبر وسائل التواصل الاجتماعي من أبرز مظاهر التكنولوجيا الحديثة، إذ سهلت على الناس التواصل والتفاعل بغض النظر عن المسافات الجغرافية. فقد أتاحت هذه المنصات، مثل “فيسبوك”، و”تويتر”، و”إنستغرام”، لأشخاص من مختلف أنحاء العالم مشاركة أفكارهم وآرائهم، وحتى بناء علاقات جديدة. كما ساهمت في تسهيل تبادل المعلومات والأخبار بسرعة.ومع ذلك، فإن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي لم يكن إيجابيًا فقط، بل جلب معه بعض التحديات. فقد أظهرت الدراسات أن الاستخدام الزائد لوسائل التواصل قد يؤدي إلى مشاكل نفسية، مثل القلق والاكتئاب. ويُعتقد أن سبب ذلك هو الضغط الاجتماعي الناتج عن السعي وراء الصورة المثالية التي تظهرها وسائل التواصل، بالإضافة إلى التعرض للتنمر الإلكتروني والمقارنات غير الواقعية. كما أن قضاء ساعات طويلة على هذه المنصات قد يؤدي إلى عزلة اجتماعية وفقدان التواصل الحقيقي مع الآخرين.—**ثالثًا: التكنولوجيا وسوق العمل**أحدثت التكنولوجيا تغييرات جذرية في سوق العمل، فقد أصبحت العديد من المهام التي كانت تعتمد على العمالة اليدوية تُنفذ الآن بواسطة الآلات والتقنيات الحديثة. وظهرت مفاهيم جديدة مثل العمل عن بُعد، الذي يُمكن الموظفين من العمل من أي مكان دون الحاجة إلى التواجد في المكتب. وبفضل الإنترنت وأدوات التعاون الرقمية، أصبحت الفرق العالمية تعمل معًا بسهولة أكبر.ومع ذلك، فإن لهذه التطورات سلبيات، إذ أصبح الكثيرون يخشون فقدان وظائفهم بسبب الأتمتة والذكاء الاصطناعي. فبعض الصناعات، مثل التصنيع والخدمات، تشهد بالفعل استبدال العمالة البشرية بالروبوتات والأنظمة الذكية التي تؤدي نفس المهام بشكل أسرع وبدقة أعلى. ويدور النقاش حول كيفية التكيف مع هذه التغيرات، حيث يُعتقد أن الأتمتة ستؤدي إلى فقدان بعض الوظائف، لكنها ستخلق أيضًا وظائف جديدة تحتاج إلى مهارات تكنولوجية متقدمة.—**رابعًا: التكنولوجيا والخصوصية**مع تقدم التكنولوجيا وظهور الإنترنت وانتشار الهواتف الذكية، أصبح جمع البيانات الشخصية جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان الرقمية. فتطبيقات الهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية تجمع كميات كبيرة من بيانات المستخدمين بهدف تحسين الخدمات المقدمة لهم أو لأغراض التسويق.ورغم الفوائد التي توفرها هذه البيانات، فإنها تثير مخاوف كبيرة حول الخصوصية. فالكثير من الناس يشعرون بعدم الأمان خوفًا من تعرض بياناتهم الشخصية للاختراق أو الاستغلال. وتزايدت المخاوف بشأن حماية الخصوصية مع ظهور قضايا متعلقة بتسريب بيانات المستخدمين، مما دفع بعض الدول والشركات إلى وضع قوانين صارمة لحماية الخصوصية الرقمية.—**خامسًا: التكنولوجيا والبيئة**أثرت التكنولوجيا بشكل كبير على البيئة، سواء كان ذلك من خلال عمليات التصنيع أو من خلال استهلاك الطاقة. فالأجهزة الإلكترونية التي نستخدمها في حياتنا اليومية تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، وتتطلب تصنيعها موارد ضخمة، مما يزيد من الأثر البيئي. كما أن تزايد الاعتماد على هذه الأجهزة أدى إلى ظاهرة “النفايات الإلكترونية”، التي تتسبب في تلوث البيئة بسبب صعوبة إعادة تدوير بعض المواد المستخدمة في تصنيعها.ولكن، على الجانب الآخر، ساهمت التكنولوجيا في تطوير حلول صديقة للبيئة تهدف إلى الحد من التأثيرات السلبية. فقد أسهمت في تطوير مصادر طاقة متجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كما ساعدت في تحسين تقنيات إعادة التدوير. وتعتمد العديد من الشركات حاليًا على التقنيات الخضراء، مثل السيارات الكهربائية التي تحد من الانبعاثات الكربونية، في إطار الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.-تُعد التكنولوجيا سلاحًا ذا حدين؛ فهي تقدم فوائد لا تُحصى في مجالات التعليم، والتواصل، والعمل، وحتى في حماية البيئة، لكنها تأتي أيضًا بمشاكل وتحديات قد تؤثر على صحة الإنسان وخصوصيته وسوق العمل. لتحقيق أقصى استفادة من التكنولوجيا، يجب على الأفراد والمجتمعات أن يكونوا واعين بالتحديات المحتملة وأن يعملوا على وضع ضوابط تضمن استخدام التكنولوجيا بشكل مسؤول ومستدام.وفي النهاية، يظل التساؤل مفتوحًا: كيف يمكننا تحقيق توازن بين الاستفادة من التكنولوجيا وحماية مجتمعاتنا وبيئتنا؟