لمحة الاخباري _بقلم عدنان قازان
جاءَ خطابُ العرشِ الساميّ الذي ألقاهُ جلالةُ الملكِ عبدُاللهِ الثاني في افتتاحِ الدورةِ العاديةِ الأولى لمجلسِ الأمةِ العشرينِ بمثابةِ خارطةِ طريقٍ شاملةٍ لمستقبلِ الأردنَ، حملَ الخطابُ مضامينَ عميقةً وأهدافًا واضحةً تعكسُ حكمةَ القيادةِ الهاشميةِ في التعاملِ مع التحدياتِ المحليةِ والإقليميةِ، ومع تأكيدِ جلالةِ الملكِ على أهميةِ دورِ الشبابِ في هذهِ المرحلةِ، يصبحُ من الضروريِّ استقراءُ هذهِ المضامينِ وتحليلُ الدورِ المطلوبِ من شبابِ الوطنِ في تحقيقِ الرؤيةِ الملكيةِ.أولًا: مضامين خطاب العرش – مسارات التحديث والبناء1. التحديث السياسي.. بناء الديمقراطية البرامجيةركزَ جلالةُ الملكِ في خطابِهِ على ضرورةِ التقدُّمِ في مشروعِ التحديثِ السياسيَ، مشيرًا إلى أهميةِ الدورِ البرلمانيِ في إرساءِ ممارساتٍ جديدةٍ يكونُ التنافسُ فيها مبنيًا على البرامجِ والأفكارِ لا المصالحِ الضيِّقةِ، وأكدَ جلالتُهُ أنَّ نجاحَ هذا المسارِ يتطلبُ أحزابًا قويةً تستوعبُ الشبابَ والنساءَ وتدعمُ المشاركةَ الفاعلةَ في صنعِ القرارِ، هذا المشروعُ ليسَ مجردَ هدفٍ سياسيٍ، بل هو أساسٌ لدولةٍ عصريةٍ تكونُ فيها النزاهةُ والشفافيةُ أساسَ العملِ السياسيِ.2. رؤية التحديث الاقتصادي.. إطلاق الطاقات الوطنيةأوضحَ جلالتُهُ أنَّ رؤيةَ التحديثِ الاقتصاديِ هي المفتاحُ لإطلاقِ إمكاناتِ الاقتصادِ الوطنيِ ورفعِ معدلاتِ النموِ، وركَّزَ على ضرورةِ إعدادِ الشبابِ لوظائفِ المستقبلِ من خلالِ التمكينِ والتأهيلِ، مؤكدًا أنَّ الأردنَ يمتلكُ كفاءاتٍ بشريةٍ وموقعًا استراتيجيًا يمكنانهُ من تحقيقِ قفزاتٍ نوعيةٍ في الاقتصادِ، والتحديثُ الاقتصاديُ يتطلبُ الإسراعَ في تطويرِ القطاعِ العامِ ليكونَ أكثرَ كفاءةً وعدالةً في تقديمِ الخدماتِ.3. الثوابت الوطنية والقضية الفلسطينية.. مواقف راسخةجدَّدَ جلالةُ الملكِ التأكيدَ على أنَّ مستقبلَ الأردنِ مرتبطٌ بسياساتٍ تحققُ مصالحَهُ وتحافظُ على هويتِهِ ومبادئِهِ، وأكدَ أنَّ القدسَ ستظلُّ أولويةً أردنيةً هاشميةً، معَ استمرارِ الدفاعِ عنِ المقدساتِ الإسلاميةِ والمسيحيةِ استنادًا إلى الوصايةِ الهاشميةِ، كما أشارَ إلى أنَّ السلامَ العادلَ هو السبيلُ الوحيدُ لإنهاءِ الظلمِ التاريخيِ الذي يعانيهُ الشعبُ الفلسطينيُ، مشددًا على أنَّ الأردنَ سيظلُّ يدافعُ عن حقوقِ الأشقاءِ الفلسطينيينَ.4. الدور الإقليمي والدولي.. قيادة مسؤولةأبرزَ الخطابُ الجهودَ الأردنيةَ في التعاملِ مع أزماتِ المنطقةِ، خصوصًا الحربَ على غزةَ، حيثُ أشارَ جلالتُهُ إلى التحركاتِ الدبلوماسيةِ الأردنيةِ لوقفِ العدوانِ وإيصالِ المساعداتِ الإنسانيةِ، كما أشادَ بالدورِ البطوليِ الذي يلعبُهُ الأردنيونَ في دعمِ الأشقاءِ الفلسطينيينَ، مؤكدًا أنَّ الجيشَ العربيَ وأجهزتَنا الأمنيةَ سيظلانِ مصدرَ فخرٍ واعتزازٍ.ثانيًا: الدور المطلوب من الشباب – أعمدة المستقبل وصُنَّاع التغيير1. الريادة السياسية: الانخراط في العمل العامدعا الخطابُ الشبابَ إلى المشاركةِ الفاعلةِ في الحياةِ السياسيةِ، سواءً من خلالِ الانضمامِ إلى الأحزابِ البرامجيةِ أو المساهمةِ في بناءِ ثقافةٍ سياسيةٍ قائمةٍ على الحوارِ والنزاهةِ، الانخراطُ في هذا المسارِ يتطلبُ وعيًا سياسيًا عميقًا واستعدادًا للتنافسِ بالأفكارِ والبرامجِ التي تخدمُ مصالحَ الوطنِ.2. الابتكار الاقتصادي: استثمار الطاقات البشريةالشبابُ هم المحركُ الأساسيُ لأيِّ اقتصادٍ، ويقعُ على عاتقِهمْ دورٌ محوريٌ في تحقيقِ رؤيةِ التحديثِ الاقتصاديِ، ويتطلبُ ذلكَ التوجهَ نحوَ الابتكارِ وريادةِ الأعمالِ، واستغلالِ الفرصِ التي تتيحُها التكنولوجيا الحديثةُ لتطويرِ حلولٍ اقتصاديةٍ تلبي احتياجاتِ السوقِ المحليِّ والدوليِّ.3. تعزيز القيم الوطنية: الهوية والانتماءأكدَ جلالةُ الملكِ في خطابِهِ أنَّ الأردنَ دولةٌ راسخةُ الهويةِ، وشبابُها هم القادرونَ على صيانةِ هذا الإرثِ، ويتطلبُ ذلكَ تعزيزَ الولاءِ والانتماءِ للوطنِ.4. نصرة القضايا القومية: الدفاع عن فلسطين والقدسالشبابُ الأردنيُّ همْ في طليعةِ المدافعينَ عن القضايا القوميةِ، وفي مقدمتِها القضيةِ الفلسطينيةِ، ويقعُ على عاتقِهمْ دورٌ كبيرٌ في إيصالِ صوتِ الأردنِ إلى العالمِ، سواءً من خلالِ المبادراتِ الإنسانيةِ أو الحملاتِ الإعلاميةِ التي تسلطُ الضوءَ على العدوانِ الإسرائيليِ على الشعبِ الفلسطينيِ.5. العمل التطوعي وخدمة المجتمع: روح العطاءفي ظلِّ الظروفِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ الراهنةِ، يبرزُ العملُ التطوعيُّ كأداةٍ فعَّالةٍ لتعزيزِ الترابطِ المجتمعيِّ، الشبابُ مطالبونَ بالمشاركةِ في المبادراتِ التي تخدمُ الفئاتِ الأكثرِ احتياجًا، وتجسدُ قيمَ العطاءِ الأردنيِّ التي طالما ميزتْ هذا الوطنَ.ثالثًا: خلاصة – نحو أردن المستقبلخطابُ العرشِ لم يكنْ مجردَ كلماتٍ عابرةٍ، بل كانَ دعوةً صادقةً لكلِّ الأردنيينَ، وعلى رأسِهمْ الشبابُ، ليكونوا شركاءَ في مسيرةِ التحديثِ والبناءِ، الشبابُ همْ الأملُ الذي يبني عليهِ الأردنُ طموحاتهِ، وهمْ القوةُ التي تستطيعُ تحويلَ التحدياتِ إلى فرصٍ.اليومَ، يحتاجُ الأردنُ إلى شبابٍ واعٍ ومبادرٍ، يدركُ دورهُ في صنعِ القرارِ، ويسعى بجدٍّ وإخلاصٍ لتحقيقِ الرؤيةِ الملكيةِ، إذا تكاتفَ الجميعُ حولَ هذهِ الرؤيةِ، فإنَّ الأردنَ سيمضي نحوَ مستقبلٍ مشرقٍ، يبقى فيهِ كما أرادهُ جلالتُهُ: وطنًا عظيمًا، طيبًا مباركًا بأهلهِ وأرضهِ.وحمى اللهُ الأردنَ شعبًا وقيادةً تحتَ ظلِّ القيادةِ الهاشميةِ الرشيدةِ.