لمحة الإخباري _د. مهند العزة
“المقاومة ممكنة حتى بالنسبة لأولئك الذين ليسوا أبطالاً بطبيعتهم، وهي في اعتقادي واجب على من يخشى عواقب محاولة فرض الهيمنة الأمريكية ويمقت واقعها”. هذه المقولة لعالم اللغويات والتحليل الاجتماعي المعرفي نعوم شومسكي هي ما يجب على كل مستهدف بأفعال وأقوال الرئيس الأمريكي المعلم دونالد ترامب أبو إيفانكا -تتربى في عزّه- أن يستحضرها. ترامب الذي يتعامل مع دول العالم بمنطق رئيس تنفيذي لشركة مساهمة محدودة بل حتى صاحب ورشة مقاولات كبرى «للحاج أبو إفانكا وأصهاره»، ينطبق عليه حرفياً المثل الشعبي العربي العابر للحدود “سكتناله دخل بحماره”، حيث أن لْمعَلّم ترامب يعمد إلى قذف بلونات اختبار عنيفة من خلال تصريحات تتسم بالبلطجة السياسية منتظراً ردة الفعل من المستهدف بها، فإن ارتعدت فرائسه وتحسس رقبته فسوف ينقض عليه الفتوة بلا هوادة ولا رحمة، أما إن وجد مقاومةً كالتي تحدث عنها شومسكي، فسوف يتراجع أو بلغة الكار التي يحبها المعلم ترامب “جَلَّس وأعطى لمعة”.
كان أول ما نطق به المعلم ترامب بعد أدائه اليمين الدستورية التي لا شك أنه كفّر عنها سلفا بإطعام يميني متطرف حيث اليميني ب3 يساريين و7 ديمقراطيين.. أنه مستعد أن يكسر البروتوكول المعتاد المتعلق بأول زيارة خارجية للرئيس الأمريكي المنتخب التي تكون عادةً إلى المملكة المتحدة، لييمم وجهه وجيبه شطر جزيرة العرب شريطة أن تتعهد السعودية بأن تأخذ من ورشته بضاعة بنصف مليار دولار، ثم ما لبث المعلم حتى رفع «الأتاوة أو الخاوة» في مؤتمر دافوس إلى مليار دولار بعد أن قرأ ردة الفعل على تصريحه الأول ووجدها في ما يبدو إيجابية. الشيء نفسه فعله حينما هرطق بخصوص غرينلاند وقناة بنما وخليج المكسيك وكندا، إذ سوف تعتمد خطوته التالية اتجاه كل منها على ردة فعل قادتها.
يوم أمس، مثل عادته، أطلق ترامب تصريحاً خطيراً اختبارياً بخصوص نيته تهجير سكان قطاع غزّة، ثم أدار ظهره محلقاً بطائرته الرئاسية تاركاً اليابسة بنصفيها الشمالي والجنوبي لأهلها يضربون أخماساً في أسداس وهم يحاولون تفسير وتأويل عباراته وحقيقة نواياه. إذ قال سييد المعلمين أبو الغلابة من رجال الأعمال وسيداته.. أنه طلب من الأردن أن تستضيف عدداً من سكان قطاع غزّة الذين يريد تفريغ القطاع منهم لينزل بورشته وعمّاله ليرمي أساسات المولات والأبراج ويصبّ ويطوبر براحته.. حيث كان المعلم قد عبّر سابقاً عن شهية وشهوة عقارية اتجاه القطاع الذي في ما يبدو يستخسره في أهله.
حسناً فعلة الدولة عندنا حينما سارعت من خلال وزير الخارجية إلى تأكيد موقف الأردن الثابت برفض التهجير وعدم قبول أي حل للقضية الفلسطينية وأزماتها المتفرعة إلا من خلال الفلسطينيين أنفسهم وليس على حساب الأردن. يدرك الأردن خطورة مخططات التهجير التي تعني ببساطة ترحيل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى دول الجوار ليتحول إلى أزمة وربما نزاع داخلي ديمغرافي وسياسي واقتصادي تنشغل بها حكومات الدول المستهدفة بالتهجير إليها لتنام إسرائيل قريرة العين. من هنا، فإنه من الضروري أن تتضامن الدول الأكثر عرضةً لخطر بلطجة المعلم ترامب السياسية بينها وتؤكد على المواقف المبدئية الرافضة للتهجير بل واعتباره بمثابة إعلان حرب كما سبق وصرحت الحكومة أثناء حرب الإبادة على غزّة.
لا بد أن المعلم ترامب يظنّ أنه إذا «شَخْلَل» بحزم ورزم من المساعدات والدولارات للدول التي تواجه تحديات أو أزمات اقتصادية، فإن لعابها -كما لعابه- سوف يسيل فتقبل بلجوء بضع مئات الألوف من الغزّيين إليها، على مبدأ «ناولني وبناولك»، ذلك أن المعلم أبو إيفانكة ابن سوق ومقاول مُعتَّق لا يقيم وزناً لقضايا التمسك بالأرض والكرامة الوطنية وهوية الأمة.. وغيرها من القيم والمبادئ التي لا تودع في حساب جاري ولا ادخاري ولا تُجيَّر بشيك.
جاء تصريح وزير الخارجية عندنا يوم أمس متوازناً يراعي حتى -من وجهة نظري- الجانب السيكولوجي للمعلم ترامب الذي تتلبسه نرجسية مخيفة وخطرة، فالوزير أكد بهدوء حاسم على موقف الأردن الجامع المانع القاطع برفض أي حل خارج نطاق الشعب الفلسطيني وبعيداً عن أي أثر على الأردن، سادّاً بذلك أي طريق أمام مزيد من الطروحات المزاجية العشوائية، وفي الوقت نفسه أشار التصريح بدبلوماسية احترافية إلى “أن ترامب صرح في خطاب التنصيب أنه معني بتحقيق السلام، والأردن يتطلع للعمل معه لإنجاز هذه الغاية وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة التي تحقق السلام العادل”.
المعلم أبو إفانكا، أو في روايات أخرى، أبو حنان، «خبط تصريحه بصياعة» وجلس مسترخياً في طائرته الرئاسية منتظراً ردة فعل الأطراف المعنية، فعلى هذه الدول المعنية مباشرةً أو بشكل غير مباشر ليس في المنطقة فحسب بل حول العالم؛ أن ترفع صوتها واضحاً وليس بالضرورة عالياً وتعلن مواقفها الحازمة لكي لا يدخل عليها ترامب بحنانه وحماره وفيله وتتحول دول كثيرة في هذا العالم إلى مجرد حديقة للحيوانات.