د. أميرة يوسف ظاهر
يُعد العلم صورة للهوية، يعبر عن سردية الجذور التي تمخض عنها الوطن، وفي الأردن خرج هذا النسيج الملوّن من شرعية الولاء، وشرعية الانتماء. فهو ليس فقط رمزا تاريخيا ارتبط بالخلافات الإسلامية والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، والهاشميين ماضيا وحاضرا، بل هو أيضا تعبير عن طموح وطني لا ينكسر، وعن مشروع وحدة لم يمت، وعن لحمة داخلية تزداد صلابة كلما هبّت رياح التحديات على الوطن.
العلم الأردني برايته الثلاثية وألوانه المستلهمة من علم الثورة العربية الكبرى، يُجسد في معانيه العميقة نداء للوحدة العربية التي حاول الشريف الحسين بن علي أن يحييها من عدن إلى جبال طوروس، قبل أن تُجهضها الاتفاقيات الاستعمارية. ورغم ذلك بقي هذا العلم شاهدا على ثبات الموقف الأردني، وعلى الانتماء الحقيقي لفكرة العروبة الأصيلة، وراية للنهضة والرسالة التي يحملها الأردن منذ تأسيسه.
لكن ما يجب ألا يغيب عن وعينا الوطني، هو أن هذا العلم الذي يرفرف فوق مدارسنا ووزاراتنا ومؤسساتنا، وفي الشوارع والساحات حاملا هيبة الطموح والأمنيات؛ ليس فقط ذاكرة أو رمزا لتاريخ مضى، بل هو دعوة دائمة لتعزيز اللحمة الوطنية، والتصدي لأي محاولة تستهدف أمننا أو تمسّ استقرارنا. ففي الوقت الذي تتعدد فيه التحديات، وتتشابك فيه المؤامرات، فإن التمسك بالعلم يعني التمسك بالوحدة، والاصطفاف خلف القيادة، والثبات في وجه الرياح العابرة.
لقد وضع الهاشميون، منذ بداية تأسيس الدولة، الأسس الصلبة لهذا الكيان، فكان العلم هو الشاهد الحي على الإنجاز، والهوية الجامعة لكل الأردنيين على اختلاف أصولهم ومنابتهم. واليوم في ظل أزمات المنطقة وتزايد الحملات الإعلامية المغرضة، لا بد أن نُعيد التأكيد على أن رايتنا ليست فقط شعارا بصريا، بل هي التزام وهيبة وعهد متجدد على البقاء صفا واحدا في وجه كل من يحاول المساس بأمن الأردن أو وحدته.
وإن كانت بعض الدول قد غيّرت أعلامها بتغير حكامها، فإن العلم الأردني ظل ثابتا، لأنه خرج من مشروع لم يتبدل، ومن رؤية واضحة وقيادة رسالتها تجسّد الاستمرارية والثبات، فكل رفّة له في سمائنا تذكرنا بأن وحدة الصف والولاء للوطن، هما جدار الصد الأول لكل خطر.
فالعلم الأردني هو الترجمة الرمزية للثوابت التي نؤمن بها، والمرآة التي تعكس قوة الداخل، وصلابة الموقف وصدق الانتماء. هو ليس فقط رمزا للوطن بل هو وثيقة شرف نرفعها في وجه التحديات، ودعوة دائمة لنبقى كما كنّا دومًا: يدا واحدة، وقلبا واحدا، ووطنا عصيا على الانكسار.