التين الشوكي او الصبر فاكهة مثيرة تختبي ثمارها داخل قشور سميكة بعض الشيء وملونة الوانا جذابة وعلى وجه القشرة الناعمة تنتشر جزر من الاشواك الابرية الناعمة .هذه الإبر الطيارة تزداد شراسة ويخف التصاقها بالقشرة وتصبح جاهزة لحماية الثمرة من كل يد تمتد اليها .ما ان يقترب احد من الشجرة او يلامس الثمار حتى تتطاير الاشواك في كل الاتجاهات.
العلاقة بين اهالينا والصبر علاقة ملتبسة فالكثير من الأسر يزرعون الصبر كسياج على حدود حواكيرهم ولا يعيرون هذه الفاكهة اللذيذة الاهتمام الذي يليق بها.
الصبر المقشر له شكل وقوام جذاب فالثمرة تتخذ شكل اسطواني ولون عسلي يستحلب اللعاب والبناء المتجانس من البذور المعشقة بالشهد تمتزج في مذاق يستحث حويصلات التذوق على الادرار.
في مداخل القرى ومعظم البساتين غير المتخصصة بزراعات منذمجة تجد اشجار الصبر التي نمت بطريقة عشوائية بكامل حمولة الموسم وقد تحولت ثمارها الى اللون الأحمر وبدى عليها الاهمال والذبول..
لتلافي تكدس وكساد المحصول كان بعض زراع الصبر في القرى والارياف يأذنوا لجيرانهم وبعض من يصادفهم ان يأخذوا حاجتهم من الصبر على ان لا يكسروا الألواح ولا يتجاوزوا حدود السياج نحو الداخل.
بعد كل مرة كنا نتجرأ فيها على قطاف الصبر كنا نعاني الامرين ففي تلك الأيام كانت الاشواك أطول واكثر حدة وشراسة من اشواك هذه الايام… كما نقع فرائس سهلة للاشواك العاتية لأننا نفتقر الى الخبرات والأدوات والطرق التي تمكننا من التعرض لهجوم القبة الشوكية التي نصبته اشجار الصبر لحماية ثمارها… ولأن الصبر لم يكن صبرنا بل صبر جيراننا الذين عرفوا كيف يدارونه.
معاداة الصبر اللذيذ في بلادنا يعود للخوف من تسلل الاشواك الى حدقات وشبكيات العيون فقد فقد الكثير من ابناء القرى بصرهم بسبب اشواك الصبر …في ستينيات القرن الماضي كان اكثر من نصف النساء اللواتي يعملن في بيع الخضار في سوق خضار عمان يعانين من مشاكل في ابصارهن وبسؤال البعض منهن افدن بأن ذلك كان بسبب اشواك الصبر ابان الطفولة.
بالرغم من انتشار الصبر وسهولة نموه وغزارة إنتاجه الا أنها ظل في ذيل الفواكه اللذيذة ونتحدث عنه بثقة اقل كلما اردنا ان نذكر خيرات القيض في بلادنا …نتحدث عن التين والعنب والرمان واحيانا نضيف الصبر.
ربما ان الامور اختلطت علينا فلم نعد نفرق بين الصبر كفاكهة والصبر على صعوبة وقسوة الحياة . لا اظن ان الشعراء الذين غنوا للصبر وقالوا يا عيني عليه يقصدون صبر حواكيرنا لانه خطر على العيون لا أحد يتمناه.
منذ سنوات نجحت وزارة الزراعة وبعض الرواد في المجال الزراعي باستيراد أجناس وانواع من اشجار الصبر الخالي من الشوك وألوان جديدة ومذاق هجين فيه من الصبر وبعض المذاقات القريبة عليه..
في مصر هذه الايام تجد عند كل زاوية عرباية صبر يقف عليها رجل ظريف يقشر الحبات التي ينتقيها المارة ويلف لك بعض الحكم والابتسامات التي يمكن ان تقلب مزاجك للأفضل.. كلما كنت أزور هذا البلد العظيم كنت استمتع بهذه الوقفات والكفشات والنهفات التي تحصل معي وانا اتجول في الحواري والميادين واقابل البياعين وتجار الاطعمة والفواكه النبلاء.
قبل ايام ظهر لي على التكتك فيديو لمؤثرة لبنانية تتجول في شوارع عمان وتقف بجانب شاب ظريف يقشر لها حبات الصبر تحت ضوء عدسات كاميراتها…وما ان انهت تناول الحبات وعرضت عليه النقود رفض أخذها قائلا ” احنا الطفايلة ما بتاخذ مصاري”..
انتبهت مرة أخرى للفيديو لاشاهد كيف يتمازج كرم البداوة ووجل الزراعة ويتصادما مع اخلاق التجارة وعندها فهمت تماما ان من الصعب ان ينتقل الناس بسرعة هائلة من نمط حياة الى اخرى دون أن تحدث مشكلات تحتاج إلى هندسة وتنمية ورعاية الانتخابات والمرشحين والانشغال بنواب المستقبل.