د.ليث عبدالله القهيوي
يواجه الشباب الأردني اليوم تحديات كبيرة تعكس واقعًا معقدًا يتداخل فيه الاقتصاد بالسياسة والثقافة وتتعمق أزمة الثقة بين الشباب ومؤسسات الدولة، مما يعزز شعورهم بالإحباط والاستياء , الشباب الأردني يعاني من بطالة مرتفعة، وضغوط اقتصادية متزايدة، وتحديات تعليمية، تتفاقم جميعها بسبب التداعيات الداخلية و الخارجية، مثل جائحة كوفيد-19 التي أضافت ضغوطًا إضافية على الفرص الاقتصادية والتعليمية.
رغم هذه التحديات، فأن هنالك مبادرات وجهود مستمرة لتعزيز دور الشباب في الحياة السياسية والاقتصادية وبرامج مثل الاستراتيجية الوطنية للشباب (2019-2025) التي تهدف إلى تمكين الشباب الأردني وتزويدهم بالمهارات اللازمة للابتكار والمشاركة الفعالة في الحياة العامة ولكن نريد نتائج واقعية وليست تجميلية تعنى ببناء القدرات وتطويرها التي تهدف إلى تنمية مهارات ريادة الأعمال وتشجيع المبادرات الشبابية المرتبطة بالكفاءة والأداء من خلال النتائج الحقيقية الواقعية، والتي تعكس رغبة واضحة في إشراك الشباب في بناء مستقبل الوطن.
ومع ذلك، تبقى العقبات الكبيرة التي تعيق تحقيق النتائج المرجوة , كاستمرار هيمنة الوجوه السياسية التقليدية والذي يعزز شعور الشباب بالإحباط وعدم الرضا عن الوضع القائم ,هذا الوضع يتطلب تغييرات جذرية في كيفية تعامل الدولة مع الشباب، بما في ذلك فتح قنوات حوارية جديدة وإشراك الشباب في عملية صنع القرار بشكل أكثر فعالية وجدية مبنية على التنفيذ ومن الضروري تعزيز الثقة بين الشباب ومؤسسات الدولة بخطوط مفتوحة وان تراعى الشفافية والوضوح .
ان حالة عدم الرضا في الشارع الأردني ليست مقتصرة على التحديات الاقتصادية والسياسية فقط، بل تتعداها إلى قضايا تتعلق بتفشي المال الأسود خلال المشهد السياسي الأخيرة وانعدام الشفافية في العديد من المجالات , هذه الظاهرة التي تؤثر بشكل كبير على الثقة العامة وتزيد من الفجوة بين الشباب والمؤسسات الرسمية فيجب مكافحة هذه الظاهرة بشكل اكثر صرامة، ويجب التركيز على تعزيز المساءلة العامة والشفافية بشكل منهجي، مما يضمن بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية أكثر عدالة ونزاهة.
فالمرحلة القادمة تحمل أهمية كبيرة للأردن ، حيث يتطلب الوضع الحالي تعزيز الثقة بين الشباب والمؤسسات الرسمية , ويمكن تحقيق ذلك من خلال إشراك الشباب بشكل أكبر في عملية صنع القرار واتخاذه وتوفير الفرص الاقتصادية العادلة لهم وان يكونوا دورهم فعال وهادف وجزء من المنظومة القادمة بشكل حقيقي.
لتحفيز المشاركة السياسية للشباب، يجب تطوير برامج تعليمية وتدريبية تهدف إلى تنمية مهاراتهم القيادية والسياسية، وتعزيز الوعي بأهمية المشاركة في الحياة السياسية , بالإضافة إلى ذلك، يجب خلق بيئة تشجع على الابتكار وريادة الأعمال، وتوفير الفرص المتكافئة لتحقيق التنمية المستدامة ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبني سياسات تعزز الطلب على العمل ، وفتح مجموعة أكبر من قطاعات العمل أمام الشباب من خلال جذب ودعم الاستثمار ضمن خطة اقتصادية واقعية.
من خلال هذه الجهود، يمكن تعزيز دور الشباب في المجتمع وتحقيق تغيير إيجابي يسهم في تطوير الأردن وتحقيق استقراره الاقتصادي والاجتماعي .
إن إشراك الشباب بشكل فعّال في الحياة السياسية والاقتصادية ليس فقط حقًا لهم، بل هو ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة وبناء مستقبل أفضل للبلاد.
وينبغي على الدولة الأردنية والمجتمع ككل العمل معًا لتحقيق هذا الهدف، من خلال تبني سياسات تشاركية، وتشجيع الابتكار، وتعزيز الشفافية والمساءلة العامة , بهذه الطريقة يمكن للشباب الأردني أن يكونوا جزءًا أساسيًا من الحلول وليس مجرد متلقين للتحديات، مما يعزز من فرصهم في بناء مستقبل أفضل وأكثر استقرارًا.
في النهاية، يتطلب الواقع الحالي في الأردن جهداً مشتركاً وتعاوناً حقيقياً بين جميع الأطراف المعنية, من الضروري الاستماع إلى أصوات الشباب وأخذها على محمل الجد والعمل على تلبية احتياجاتهم وتطلعاتهم, بهذه الطريقة، يمكن للأردن أن يتجاوز التحديات الراهنة ويبني مستقبلاً أكثر إشراقاً لأجياله القادمة.