رمضان ليس مجرد شهر يمرّ في التقويم، بل هو منحة إلهية، يهبها الله لأرواحنا المتعبة، فتجد فيه الراحة بعد عناء، والسكينة بعد اضطراب، والتجدد بعد فتور. إنه نفحة من الرحمة تُعيد إلينا الصفاء، وتمنحنا فرصة لنكون أقرب إلى الله، وأقرب إلى أنفسنا. في أيامه نعيش تجربة فريدة، حيث يصبح الصيام درسًا في الصبر، والصلاة ملاذًا للروح، والقرآن رفيقًا للوجدان. لكن السؤال الأهم: هل يبقى أثر رمضان بعد انتهائه، أم يختفي مع آخر يوم منه؟
الفقير حقًا هو من ظنّ أن رمضان مجرد انقطاع عن الطعام والشراب، وغفل عن معانيه العميقة في تهذيب النفس وتزكية الروح. فليس الغاية من الصيام حرمان الجسد، بل إحياء القلب، وتعويد الإنسان على الانضباط، والرحمة، ومجاهدة الشهوات، ليخرج من رمضان بروح أكثر صفاءً وقوة.
هناك من يعتبر رمضان موسمًا مؤقتًا، يلتزم فيه بالعبادات، لكنه ما يلبث أن يعود إلى سابق عهده بمجرد انقضاء الشهر. فتنطفئ شعلة الإيمان التي اشتعلت، ويبهت ذلك النقاء الروحي الذي اكتسبه. وكأن كل ما عاشه كان مجرد مرحلة عابرة.
وفي المقابل، هناك من يدرك أن رمضان ليس مجرد أيام تمضي، بل هو نقطة تحول، ووقود يستمر أثره في حياته كلها. فتراه يحافظ على الصلاة بخشوعها، ويبقي على علاقته بالقرآن، ويستمر في بذل الخير وكأن رمضان لم يغادر.
رمضان هو فرصة لتجديد العهد مع الله، ولإعادة ترتيب حياتنا الداخلية، وللتخفيف عن أرواحنا المثقلة بصخب الدنيا. فهو ليس هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لنعيش بروح أنقى طوال العام. وإما أن نحمله معنا بعد انقضائه، أو نتركه يمضي كضيف كريم رحل، دون أن نحتفظ بأثره في قلوبنا.