في كتابتي عن راحلنا الكبير زيد الرفاعي يختلط الخاص بالعام، فقد كان والدي صديقه، وطويل العُمر إبنه سمير كان وما زال صديقي، وحين قال لي الإبن في بيت العزاء: أنا أعزّيك، سالت دمعات من عينيّ، وحين رأيت دموعه وأنا أودّعه سارعت بالقول: غالية دموعك يا أبا زيد، وتليق بالعمّ الراحل الجميل.
في كتابي “صحافة، ولكن” الكثير من الصفحات التي تتحدّث عنه، وعن تجربته السياسية والصحافية، وصحيح أنّني أنصفت سنوات حكوماته الأولى منذ العام ١٩٧٣، ومدحتها لأنّه أوّل من نسّب باصدار العفو العام بعد أحداث السبعين المشؤومة، وفتح باب التعددية الصحافية، وغيرها.
وصحيح، أيضاً، أنّني قسوت كغيري على آخر سنوات حكوماته في العام ١٩٨٩، ولكنّني لم أسمع منه لا قبولاً في هذه ولا رفضاً في تلك، فقد كان نقيّ البال، قادراً على احتواء المواقف مثل أيّ رجل دولة كبير، ولا أظنّنا شهدنا مثله في حياتنا العربية المعاصرة إلاّ قليل القليل.
نحن نتحدّث عن زيد الرفاعي الذي كان هنري كيسنجر يحسب له ألف حساب، والرجل الذي شكّل حكومته الأولى ولم يتجاوز عمره السابعة والثلاثين، فجاء بفريق شاب، قُدّر له أن يتصدّر الحياة السياسية المحلية لسنوات وسنوات.
نتحدّث عن الرفاعي الذي ظلّت بصمته واضحة في كلّ موقع شغله، وهو الذي اجترح كلمة “خادمكم الأمين” في مراسلاته الرسمية المعلنة مع الراحل الحسين، وطويل العمر عبد الله الثاني إبن الحسين.
هو الرفاعي الذي بكى أمام الأردنيين وهو ينعى صديق عمره الحسين في مجلس الأمة، واستمع إلى قسم العرش من عبد الله الثاني فبارك له مهمّته بإسم كلّ الأردن وكلّ الأردنيين.
عشرات آلاف الأردنيين كانوا في بيت العزاء، وما زالوا يتوافدون عليه تقديراً ووفاء للرجل الذي كان بليغاً في قوله وأبلغ في صمته، وإذا كان لروح والدي أن تتحدّث على لسان قلمي فلعلّها تقول: رحمك الله يا زيد، فنحن كلّنا لها، وأطال الله في عُمر نجلك الغالي سمير، ولسنا نكتب هنا سيرة للراحل، فالحديث بقية.