لمحة الاخباري _ديمه الفاعوري
في خطوة استباقية شملت العالم بأسره، أقرَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على الواردات من مختلف الدول، ومن بينها الأردن، حيث بلغت نسبة الرسوم المفروضة على السلع الأردنية 20%، في حين كان رد الأردن بفرض رسوم تصل إلى 40% على الواردات الأمريكية، وهذا التباين في الرسوم الجمركية يُعبِّر عن “المعاملة بالمثل” وفقًا لما يراه ترامب أداة لتحقيق توازن اقتصادي مع الدول الشريكة، لكن الأبعاد التي تكمن وراء هذا القرار تتجاوز الأرقام، لتتجسد في أهداف اقتصادية وسياسية أعمق قد تؤثر بشكل كبير على العلاقات الثنائية بين البلدين.
ترامب يهدف من خلال هذه الإجراءات إلى تقليص العجز التجاري الأمريكي الذي يشكل إحدى أولويات سياسته الاقتصادية، فعلى الرغم من تركيزه الظاهر على الجوانب الاقتصادية، يُمكن لهذا القرار أن يتخذ طابعًا سياسيًا حيث يُسْتخدم كأداة ضغط على الدول الحليفة لتعديل سياساتها التجارية أو حتى السياسية، حيث يسعى ترامب من خلال فرض هذه الرسوم، إلى دفع الدول لتعديل مواقفها في قضايا عدة، وهو ما قد يشمل مواقفها تجاه القضايا الإقليمية الكبرى مثل القضية الفلسطينية.
في هذا السياق، قد لا تكون الرسوم الجمركية مجرد مسألة اقتصادية بحتة بالنسبة للأردن، بل قد تكون جزءًا من استراتيجية أمريكية تهدف إلى التأثير على موقف المملكة من القضايا السياسية الكبرى في المنطقة، وعلى رأسها موقفها من غزة، وبغض النظر عن العلاقة الاستراتيجية الوثيقة بين الأردن والولايات المتحدة، يبقى موقف المملكة من القضية الفلسطينية حساسًا، ولا سيما تجاه غزة التي تمثل نقطة اختلاف جوهرية في السياسات الإقليمية، و بهذا المعنى، قد تكون الرسوم الجمركية الأمريكية ليست فقط موجهة لتعديل الميزان التجاري، بل لخلق نوع من الضغط على الأردن لتقديم تنازلات سياسية فيما يتعلق بمواقفه من القضايا الإقليمية.
أما من الناحية الاقتصادية، تظهر التحديات التي قد يواجهها الأردن بسبب هذه الرسوم. فرض رسوم 20% على صادراته إلى الولايات المتحدة سيؤدي إلى زيادة تكلفة السلع الأردنية، مما قد يضعف القدرة التنافسية لهذه المنتجات في السوق الأمريكية، وخاصة في القطاعات التي تعتمد على التصدير مثل الألبسة، الحلي، الأسمدة، والأدوية، وفي المقابل، فإن فرض الأردن رسومًا مرتفعة على الواردات الأمريكية قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأمريكية في الأسواق المحلية، مما يساهم في تقليص الطلب عليها، وبذلك، قد تتأثر حركة التبادل التجاري بين البلدين، مما يعكس تباينًا غير متكافئ في الميزان التجاري.
يُلاحظ أن هذه السياسة قد تقوض التوجهات الاقتصادية الأردنية التي تستهدف الوصول إلى صادرات بقيمة 5 مليار دولار بحلول عام 2033، في حين أن صادرات الأردن إلى الولايات المتحدة تصل حاليًا إلى نحو 2 مليار دولار، لذا فإن هذه الرسوم تعد بمثابة تحدٍ حقيقي لاستراتيجية الأردن التنموية، التي تعتمد بشكل كبير على تعزيز صادراته إلى الأسواق الكبرى، وقد يؤدي هذا الواقع إلى فرض الحاجة لإعادة التفاوض مع الولايات المتحدة على هذه الرسوم لضمان التوافق مع اتفاقيات التجارة الحرة بين البلدين، التي كانت قد أسهمت في زيادة التبادل التجاري بنسبة 800% منذ عام 2000.
لا تقتصر الآثار المترتبة على هذا القرار على الاقتصاد الأردني فقط، بل تلامس أيضًا العلاقات الدولية بشكل عام، وفي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها الاقتصادية عبر هذه الرسوم الجمركية، يواجه الأردن تحديًا كبيرًا في مواكبة هذه السياسات دون التأثير السلبي على استقراره الاقتصادي أو مصالحه السياسية، من هنا، يبدو أن الأردن أمام خيار صعب يتمثل في تنويع أسواقه التصديرية، وكذلك في تعزيز قدرة صادراته على المنافسة، سواء من خلال تحسين الإنتاج أو من خلال التفاوض على تعديل بعض بنود الاتفاقيات التجارية القائمة مع الولايات المتحدة.
قرار فرض الرسوم الجمركية من قبل ترامب يعكس أبعادًا استراتيجية متعددة. من جهة، يسعى لتحقيق توازن تجاري مع الدول الشريكة، ومن جهة أخرى، يهدف إلى استخدام هذا الإجراء كأداة ضغط سياسي على حلفائه في المنطقة، بما في ذلك الأردن، و الأمر يضع المملكة أمام مسؤولية كبيرة في اتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة تتعلق بكيفية التعامل مع هذه السياسة التجارية الجديدة، مع الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية في آن واحد ..