في الوقت الذي يعاني فيه المواطن من أزمات معيشية خانقة، ووسط انهيارات اقتصادية واجتماعية، نجد الأحزاب السياسية غارقة في دائرة من التصريحات والبيانات والاجتماعات الشكلية فكل أنشطتها حتى الان كلمات مثل “اجتمع”، “أشار”، “أعلن”، و”دعا” والتي أصبحت القاسم المشترك في أنشطتها، وكأن دور الأحزاب اقتصر على استعراض مواقفها عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي دون أي نية حقيقية للنزول إلى الشارع ومواجهة التحديات بشكل مباشر فهذه الممارسات التي تعتمد على المظاهر الإعلامية والرمزية أصبحت مكررة ومملة، بعيدة كل البعد عن هموم المواطن الذي لم يعد ينتظر من الأحزاب مجرد شعارات، بل حلولاً ملموسة تصنع فرقاً حقيقياً في حياته اليومية.
ما يحدث اليوم من انفصال بين الأحزاب والشارع يعكس أزمة سياسية عميقة تهدد بفقدان الثقة بشكل كامل بين المواطنين ومن يدّعون تمثيلهم فالأحزاب، التي يُفترض أن تكون ممثلة لإرادة الشعب وأداة للتغيير، تكتفي بالجلوس في مكاتبهم، يصدرون بيانات مطولة مليئة بالكلمات الفضفاضة، أو يعقدون اجتماعات مغلقة لا ينتج عنها إلا المزيد من الخطابات التي لا تسمن ولا تغني من جوع فالمواطن يرى هذه التحركات كضجيج بلا طحين، وكأن القضايا الحقيقية التي يواجهها يومياً مثل الفقر والبطالة وغياب الخدمات الأساسية ليست على أجندة هذه الأحزاب.
الأحزاب اليوم تبدو وكأنها تعيش في عالم موازٍ، بعيد تماماً عن نبض الشارع فغيابها عن الميدان يطرح تساؤلات حول جدوى وجودها فإذا كانت هذه الأحزاب لا تستطيع التواجد بين الناس، ولا ترغب في الاشتباك مع الواقع لفهم احتياجات المواطن، فما الفائدة منها؟ هل أصبحت الأحزاب مجرد منصات لمكاسب سياسية ضيقة؟ أم أنها عاجزة عن التحرك لأنها ببساطة فاقدة للرؤية والإرادة؟
إن الأزمات التي يعيشها المواطن اليوم تحتاج إلى أحزاب تعمل بجدية وتفانٍ فدور الأحزاب ليس فقط إصدار البيانات أو التفاعل السطحي مع الأحداث، بل يجب أن تكون قادرة على تقديم حلول عملية ومدروسة، تستند إلى فهم حقيقي لاحتياجات الناس فالعمل السياسي ليس مجرد استعراض إعلامي، بل هو التزام دائم بمصالح الشعب وهذا الالتزام لا يظهر إلا من خلال التواجد الفعلي في الشارع، في القرى والمدن، بين الفقراء والمهمّشين، حيث الحاجة الحقيقية للعمل الجاد.
إذا أرادت الأحزاب استعادة ثقة الناس، فعليها أن تُظهر أفعالاً ملموسة تعبر عن التزامها بقضاياهم وعليها أن تبتعد عن النمط التقليدي للسياسة القائمة على التنظير والخطابات، وأن تعمل على تطوير برامج واقعية تلبي احتياجات الناس ويجب أن تتوقف عن الاكتفاء بالظهور الإعلامي، وأن تتحول إلى قوة دافعة للتغيير الحقيقي.
وفي الختام، الرسالة إلى الأحزاب واضحة وصريحة كفى استعراضاً إعلامياً واجتماعات بلا جدوى فالشارع لا ينتظر منكم بيانات جديدة ولا خطابات مطولة، بل يريد رؤية أفعال حقيقية فاخرجوا من مكاتبكم، انزلوا إلى الميدان، استمعوا إلى الناس وافهموا معاناتهم ابدأوا بحل مشاكلهم، وكونوا صادقين في عملكم فالشعب بحاجة إلى قادة يلامسون واقعه، لا سياسيين يتحدثون من برج عاجي فإذا لم تتحركوا الآن، فإن التاريخ لن يرحمكم، والشعب لن يغفر تجاهلكم لآلامه ومعاناته. احذروا من أن يأتي يوم يصبح فيه وجودكم غير ذي قيمة.