شهدت صناعة الطيران العالمية، في السنوات الأخيرة، تحولًا جذريًا مع بروز نجم شركات الطيران منخفض التكاليف او الطيران الاقتصادي (Low-Cost Airlines)، التي تعتمد على تقديم أسعار منخفضة ومنافسة للمسافرين مع تقليل النفقات التشغيلية إلى الحد الأدنى والتخلي عن بعض الخدمات الإضافية، مما مكنها من تحدي شركات الطيران التقليدية.
كما وتمكنت شركات الطيران منخفض التكاليف من اقتناص حصة متزايدة من السوق، فعلى سبيل المثال، شكلت شركات الطيران منخفضة التكاليف 33% من إجمالي مقاعد الطيران عالميًا في عام 2024، رغم أنها لا تشكل سوى 15% من إجمالي عدد الشركات. كما وفي عام 2023، سجلت شركة طيران ريان إير (Ryanair) منخفض التكاليف هامش ربح صافٍ بلغ 18%، مقارنة بـ 7% لشركة لوفتهانزا (Lufthansa) و5% لشركة أمريكان إيرلاينز (American Airlines).
في ذات النطاق، تعتمد شركات الطيران منخفض التكاليف على استراتيجية تسمح لها بتقديم أسعار تذاكر أقل بنسبة تتراوح ما بين 40 و70% مقارنة بشركات الطيران التقليدية على نفس المسارات. كما وتشمل الاستراتيجية على العديد من المحاور، مثل إلغاء الخدمات الإضافية، حيث تفرض رسومًا على الأمتعة، واختيار المقاعد، والطعام على متن الطائرة. كما وتشمل على توحيد الأسطول، واستخدام نوع طائرة واحد لتقليل تكاليف الصيانة والتدريب.
وبالإضافة الى ذلك، تعتمد شركات الطيران منخفض التكاليف على الرحلات المباشرة، وتجنب نظام “المحاور والتشعبات”، وتجنب المطارات الرئيسية، واستخدام المسارات الأقل شعبية، لتقليل التكاليف التشغيلية، كما وتعمل على زيادة استخدام الطائرات وتشغيل الطائرات لعدد ساعات أطول يوميًا مع تقليل أوقات الانتظار بين الرحلات.
في ذات السياق، لجأت العديد من شركات الطيران التقليدية إلى تعديل استراتيجياتها في محاولة لمجاراة التغييرات ولمنافسة شركات الطيران منخفض التكاليف. فعلى سبيل المثال، قامت بعض الشركات التقليدية بتحسين كفاءة استخدام أسطولها الجوي، وبتبني نموذج هجين بين التذاكر العادية والتذاكر “الدرجة الاقتصادية الأساسية” بأسعار أقل، ولكن بخدمات محدودة.
وبالإضافة الى ذلك، قامت بعض شركات الطيران التقليدية بعمل شركات منخفضة التكاليف تابعة لها، مثل يورووينغز (Eurowings) التابعة للوفتهانزا الألمانية، وطيران كندا روج (Air Canada Rouge) التابعة لطيران كندا، وجيت ستار (Jetstar) التابعة لخطوط كانتاس الجوية الأسترالية وغيرهم.
واخيرا وكعادتي لابد ان اتناول الموضوع من زاويتي الأردنية حيث يتطرق الى ذهني المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها خطوط الجوية الأردنية او “الملكية الأردنية”، واسأل نفسي: هل يمكن عمل استراتيجية متكاملة لتحسين وضعها المالي مع الاخذ بعين الاعتبار الاستفادة من خبرات البلدان الأخرى؟ نحن بحاجة الى استراتيجية للنهوض بالملكية الأردنية وللحفاظ على مكانتها وسمعتها. لابد ان تشمل هذه الاستراتيجية على خطط لتحسين الكفاءة التشغيلية، وتوسيع شبكة الرحلات، وزيادة التعاون مع شركات الطيران الأخرى، والاستثمار في طائرات جديدة أكثر كفاءة في استهلاك الوقود لتقليل التكاليف التشغيلية.
وبالإضافة الى ذلك، لابد ان يتم تعزيز المنافسة مع الطيران منخفض التكاليف، من خلال إعادة النظر في الية التسعير وتبني النموذج الهجين لتقديم أسعار تنافسية. كما ويمكن لشركات الطيران المحلية التعاون مع هيئة تنشيط السياحة ووزارة السياحة واي جهة معنية للقيام بالدور الذي تقوم به شركات الطيران منخفض التكاليف، فعلى سبيل المثال، يمكن إطلاق أو دعم شركة طيران اقتصادي تابعة لها، على غرار ما فعلته بعض الشركات الكبرى. ومن الجدير بالذكر، ان الطيران منخفض التكاليف ساهم بشكل كبير في تحفيز قطاع السياحة ودعم الاقتصاد المحلي. فعلى سبيل المثال، نجح الأردن عام 2019 وعام 2023 بتحقيق سياحة المليون في مدن عديدة كالبتراء، وهذا مؤشر ازدهار سياحي والعوائد كانت كبيرة وانعكست على العديد من القطاعات.